الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعدم حضور المدعى عليه بسبب المرض، هذا في ذاته ليس موجباً للحكم عليه، واعتباره ناكلًا عن اليمين، وقد تكلم الفقهاء فيما لو كان المدعى عليه مريضاً لا يمكنه الحضور، ماذا يفعل القاضي؟ جاء في الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر: وإذا كان المدعى عليه مريضاً لا يمكن حضور مجلس القاضي، بعث القاضي مع المدعي رجلاً من أمنائه، وبعث معه شاهدين من شهوده، وكتب اليمين على ما يجب أن يستحلف عليه، واستحلفه الأمين بحضرتها على ما يجب. اهـ.
كما تناول الفقهاء مقدار المرض الذي يعذر به المدعى عليه في عدم الحضور، ومن ذلك ما جاء في الفتاوى الهندية: وَتَكَلَّمَ الْمَشَايِخُ فِي مِقْدَارِ الْمَرَضِ الَّذِي لَا يُعَدِّيهِ الْقَاضِي، قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُهُ الْحُضُورُ بِنَفْسِهِ وَالْمَشْيُ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَلَوْ حُمِلَ أَوْ رَكِبَ عَلَى أَيْدِي النَّاسِ يَزْدَادُ مَرَضُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُهُ الْحُضُورُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الْحُضُورُ بِالرُّكُوبِ وَحَمْلِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزْدَادَ مَرَضُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ أَرْفَقُ وَأَصَحُّ، ثُمَّ إذَا لَمْ يُحْضِرْهُمَا يَعْنِي: الْمَرِيضَ، وَالْمُخَدَّرَةَ مَاذَا يَصْنَعُ الْقَاضِي؟ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَ الْقَاضِي مَأْذُونًا بِالِاسْتِحْلَافِ يَبْعَثُ خَلِيفَتَهُ إلَيْهِمَا فَيَقْضِي بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ خُصُومِهِمَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ؛ يَبْعَثُ الْقَاضِي إلَيْهِ أَمِينًا مِنْ أُمَنَائِهِ فَقِيهًا، وَيَبْعَثُ مَعَهُ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ حَتَّى يُخْبِرَا الْقَاضِيَ بِمَا جَرَى، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. اهــ.
والخلاصة: أن مرض المدعى عليه، وعدم حضوره بسبب المرض، ليس موجباً للحكم عليه بالنكول، ما لم يرفض اليمين بكل حال.
والله تعالى أعلم.