الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعاء من جملة الأسباب، بل هو من أقوى الأسباب لتحصيل المطلوب، ودفع المرهوب، وهو من قدر الله تعالى، فكما أن العبد يدفع قدر الجوع بقدر الأكل، وقدر العطش بقدر الشرب، فعليه كذلك إن أراد سعة الرزق، والتخلص من الفقر أن يأخذ بالأسباب الجالبة لذلك، ومن جملتها الدعاء، فيدفع قدر الفقر بقدر السعي والعمل، وبقدر الدعاء كذلك، وكل شيء بقدر الله تعالى من ضيق الرزق وسعته، ومن الدعاء والتوفيق له وضد ذلك، فعلى العبد أن يجتهد في الأخذ بالأسباب الممكنة معلقا قلبه بالله تعالى.
ومن جملة تلك الأسباب، بل من أهمها الدعاء، قال العلامة ابن القيم -رحمه الله:
وَالصَّوَاب أَنَّ هَاهُنَا قِسْمًا ثَالِثًا، غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْمَقْدُورَ قُدِّرَ بِأَسْبَابٍ، وَمِنْ أَسْبَابِهِ الدُّعَاءُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ مُجَرَّدًا عَنْ سَبَبِهِ، وَلَكِنْ قُدِّرَ بِسَبَبِهِ، فَمَتَى أَتَى الْعَبْدُ بِالسَّبَبِ، وَقَعَ الْمَقْدُورُ، وَمَتَى لَمْ يَأْتِ بِالسَّبَبِ انْتَفَى الْمَقْدُورُ، وَهَذَا كَمَا قُدِّرَ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقُدِّرَ الْوَلَدُ بِالْوَطْءِ، وَقُدِّرَ حُصُولُ الزَّرْعِ بِالْبَذْرِ، وَقُدِّرَ خُرُوجُ نَفْسِ الْحَيَوَانِ بِذَبْحِهِ، وَكَذَلِكَ قُدِّرَ دُخُولُ الْجَنَّةِ بِالْأَعْمَالِ، وَدُخُولُ النَّارِ بِالْأَعْمَالِ، وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْحَقُّ، وَهَذَا الَّذِي حُرِمَهُ السَّائِلُ وَلَمْ يُوَفَّقْ لَهُ. وَحِينَئِذٍ فَالدُّعَاءُ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ، فَإِذَا قُدِّرَ وُقُوعُ الْمَدْعُوِّ بِهِ بِالدُّعَاءِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ: لَا فَائِدَةَ فِي الدُّعَاءِ، كَمَا لَا يُقَالُ: لَا فَائِدَةَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَجَمِيعِ الْحَرَكَاتِ وَالْأَعْمَالِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْأَسْبَابِ أَنْفَعَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَلَا أَبْلَغَ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ. انتهى.
والله أعلم.