الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا ندري ما وجه الإشكال عندك، إلا أن يكون بك شيء من الوسوسة.
فالله قديم بجميع صفاته، وهو واحد أحد بجميع صفاته، فنحن إذا قلنا: زيد الموصوف بكذا وكذا -من الطول، والعلم، والشجاعة، ونحو ذلك-، لم يخرج ذلك زيدًا عن أن يكون شخصًا واحدًا، فالله تعالى كذلك -وله المثل الأعلى سبحانه وتعالى- هو واحد أحد بجميع صفاته الذاتية، والفعلية، والخبرية.
وقد أوضح هذا الإمام أحمد -رحمه الله- في رده على الزنادقة والجهمية، فقال ما عبارته: فقالوا: لا تكونوا موحدين أبدًا حتى تقولوا: قد كان اللَّه ولا شيء. فقلنا: نحن نقول: قد كان اللَّه ولا شيء. ولكن إذا قلنا: إن اللَّه لم يزل بصفاته كلها، أليس إنما نَصِف إلهًا واحدًا بجميع صفاته؟! وضربنا لهم في ذلك مثلًا، فقلنا: أخبرونا عن هذِه النخلة، أليس لها جذع، وكرب، وليف، وسعف، وخوص، وجمار؟! واسمها اسم شيء واحد، وسميت نخلة بجميع صفاتها، فكذلك اللَّه -وله المثل الأعلى- بجميع صفاته إله واحد، لا نقول: إنه قد كان في وقت من الأوقات ولا يقدر حتى خلق له قدرة، والذي ليس له قدرة هو عاجز، ولا نقول: قد كان في وقت من الأوقات ولا يعلم حتى خلق له علمًا فعلم، والذي لا يعلم هو جاهل، ولكن نقول: لم يزل اللَّه عالمًا قادرًا، لا متى، ولا كيف، وقد سمى اللَّه رجلًا كافرًا اسمه: الوليد بن المغيرة المخزومي، فقال: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}، وقد كان هذا الذي سماه اللَّه وحيدًا له عينان، وأذنان، ولسان، وشفتان، ويدان، ورجلان، وجوارح كثيرة، فقد سماه اللَّه وحيدًا بجميع صفاته، فكذلك اللَّه -وله المثل الأعلى- هو بجميع صفاته، إله واحد. انتهى.
وطوّل شيخ الإسلام ابن تيمية في إيضاح هذا المعنى في بيان تلبيس الجهمية، وفي تفسير سورة الإخلاص، وفي مواضع أخرى من كلامه، وفيما ذكرناه عن الإمام أحمد كفاية في هذا المقام.
والله أعلم.