الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحال الذي ذكره السائل لا نراه داخلا في المذموم من أحوال سؤال الناس أموالهم، فإن المذموم إنما هو من يسأل لمصلحة نفسه من غير حاجة، ولا ريب في أن هذا يختلف عمن سأل للقيام بنفع أمته، والسعي لمصلحة عامة. وهذا أولى بالتفريق بينه وبين السؤال المذموم، من السؤال لمصلحة خاصة لآحاد الناس، كمن يسأل ليطعم فقيرا محتاجا.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) ذم السؤال للمال، وطرفا من أدلته، كقوله تعالى: يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة: 273] وحديث: لا تزال المسألة بالعبد حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم. وحديث: إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو غرم مفظع، أو جائحة ... ثم قال: تنبيه: جميع ما تقدم فيما سأل لنفسه، وأما إذا سأل لغيره فالذي يظهر أيضا أنه يختلف باختلاف الأحوال. اهـ.
ومن جهة أخرى، فإن ما ذكره السائل أولى بالاستثناء والمراعاة ممن تحمل الحمائل المذكورة في حديث: إن الصدقة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ... الحديث. رواه مسلم. قال النووي ما حاصله: الحمالة -بالفتح- هو المال الذي يتحمّله الإنسان، أي يستدينه ويدفعه في إصلاح ذات البين، كالإصلاح بين قبيلتين، ونحو ذلك، وإنما تحلّ له المسألة، ويعطى من الزكاة بشرط أن يستدينه لغير معصية. اهـ.
وقال الشوكاني: قد كانت العرب إذا وقعت بينهم فتنة اقتضت غرامة في دية، أو غيرها، قام أحدهم، فتبرّع بالتزام ذلك، والقيام به حتى ترتفع تلك الفتنة الثائرة، ولا شكّ أن هذا من مكارم الأخلاق، وكانوا إذا علموا أن أحدهم تحمّل حَمَالةً بادروا إلى معونته، وأعطوه ما تبرأ به ذمّته، وإذا سأل لذلك لم يُعَدَّ نقصًا في قدره، بل فخرًا. اهـ.
والله أعلم.