الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه لا خلاف بين العلماء في وجوب قضاء الصلاة الفائتة بعذر شرعي من نسيان، أو نوم، ونحو ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من نسي الصلاة، فليصلّها إذا ذكرها؛ فإن الله تعالى يقول: وأقم الصلاة لذكري. رواه مسلم. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: من نسي صلاة، أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها. متفق عليه. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: من نسي صلاة، فليصلّها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك. رواه البخاري، ومسلم، واللفظ لمسلم.
فالصلاة الفائتة في الذمة على هذا الوجه، يجب قضاؤها، ولا إشكال فيها:
فإن كانت معروفة بعينها وعددها، قضاها، وإلا فعليه أن يحتاط، فيصلي ما يغلب على الظن أنه تبرأ به ذمته، يقضيها على النحو الذي كان يؤديها عليه لو صلاها في وقتها.
والقضاء -حيث قلنا بوجوبه- يجب على الفور.
ومقتضى الفورية هو: القيام بها فورًا من حين زوال عذره دون تأخير، وليس هناك وقت ينتهي به وجوب القضاء.
فإذا أخّر القضاء، فإن وجوب القضاء لا يسقط عنه، وتبقى الصلاة دَينًا في ذمته حتى يؤديها:
فإن كان تأخيره القضاء لغير عذر، فإنه يأثم بهذا التأخير؛ لمخالفته الحديث السابق: فليصلّها إذا ذكرها.
ويجوز لمن عليه القضاء التأخير لعذر، قال المرداوي: قوله: لزمه قضاؤها على الفور، مقيد بما إذا لم يتضرر في بدنه، أو في معيشة يحتاجها؛ فإن تضرر بسبب ذلك، سقطت الفورية. انتهى.
وقضاؤك صلاة من الفوائت التي عليك مع جماعة يصلون حاضرة، قد اختلف أهل العلم فيه، فذهب بعضهم إلى الصحة, وهو مذهب الحنابلة، والشافعية, قال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: وَفِي الْمَذْهَبِ: يَصِحُّ الْقَضَاءُ خَلْفَ الْأَدَاءِ ... اهــ. وهو المفتى به عندنا.
وذهب آخرون إلى عدم الصحة، وهو مذهب المالكية، وقال النووي في المجموع: وأما القضاء خلف الأداء, والأداء خلف القضاء, وقضاء صلاة خلف من يقضي غيرها، فكله جائز عندنا, إلا أن الانفراد بها أفضل؛ للخروج من خلاف العلماء. اهــ.
ولا يجوز لك الاشتغال بالنوافل، إذا كانت عليك فوائت؛ لأن قضاءها مقدم؛ إذ هي فرض، وهو مقدم على النفل.
واستثنى بعض العلماء رواتب الصلوات، وبعضهم استثنى راتبة الفجر، والوتر، وانظر لتفصيل بعض ما أجملنا هنا الفتاوى: 211942، 195923، 17940.
والله أعلم.