الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالعبارة التي يسأل عنها السائل إنما أشكلت عليه؛ لما وقع فيها من تصحيف الراء إلى لام، فصوابها: (الحد الحاصر)، لا (الحد الحاصل).
والمقصود نفي أن يكون لله حد يحصره، ويحيط به من مخلوقاته، ويستقل العقل بإدراكه.
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح العقيدة السفارينية: اختلف كلام من تكلم به من السلف في: هل الله يحد أو لا يحد؟ فمنهم من أنكر الحد، وقال: إنه لا يجوز أن نقول: إن الله محدود. ومنهم من قال: يجب أن نقول: إن الله محدود، وأن له حدًّا. ولكن يجب أن نعلم أن الخلاف يكاد يكون لفظيًّا؛ لأنه يختلف باختلاف معنى الحد المثبت والمنفي: فمن قال: إن الله محدود: أراد أنه بائن من الخلق، ومحاد لهم، ليس داخلًا فيهم، ولا هم داخلون فيه .. وهذا المعنى صحيح.
ومن قال: إنه غير محدود: أراد أن الله تعالى أكبر من أن يُحدّ، ولا يحدّه شيء من مخلوقاته، ولا يحصره شيء من مخلوقاته، فقد وسع كرسيه السماوات والأرض، ولا يمكن أن يحده شيء من المخلوقات. وهذا المعنى صحيح، وكل السلف متفقون على هذا.
وعليه؛ فيكون الخلاف بينهم لفظيًّا، بحسب هذا التفصيل.
فقول المؤلف -رحمه الله-: (قد تعالى أن يحد)، يدل على أن المؤلف ممن ينكر أن يوصف الله بالحدّ، فيحمل كلامه على أن المراد بالحدّ: الحدّ الحاصر الذي يحصر الله عز وجل، فإن الله تعالى - بهذا المعنى- غير محدود، فالله واسع عليم، وسع كرسيه السماوات والأرض، والسماوات والأرضين كلها في كف الرحمن عز وجل كخردلة في كف أحدنا، وهذا على سبيل التقريب، وإلا فما بين الخالق والمخلوق أعظم مما بين كف الإنسان والخردلة.
وعلى كل حال؛ فإن المؤلف أراد بنفي الحد هنا: الحد الذي يحصر الله عز وجل، ولم يرد الحد الذي يجعله بائنًا من الخلق، فإن الحد الذي يراد به بينونة الله من خلقه، أمر ثابت واجب اعتقاده.
على أننا كما قلنا: إن الكلام في الحد إثباتًا ونفيًا من الأمور التي ينبغي السكوت عنها؛ لأنها لم ترد في القرآن، ولا في السنة، لكن إذا ابتلينا، وجب أن نفصل. اهـ.
وقال في شرح العقيدة الواسطية: نقول: ما هو الحد والجسم الذي أجلبتم علينا بخيلكم ورجلكم فيها؟
أتريدون بالحد أن شيئًا من المخلوقات يحيط بالله؟ فهذا باطل، ومنتف عن الله، وليس بلازم من إثبات العلو لله.
أو تريدون بالحد أن الله بائن من خلقه غير حالّ فيهم؟ فهذا حق من حيث المعنى، ولكن لا نطلق لفظه نفيًا ولا إثباتًا؛ لعدم ورود ذلك. اهـ.
ولمزيد الفائدة، يمكن الاطلاع على الفتوى: 234334.
والله أعلم.