الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فركوب الساعي للعذر، لا حرج فيه. وعليه، فسعيك راكبة صحيح، وعمرتك صحيحة، ولا شيء عليك.
قال العلامة ابن قدامة -رحمه الله- في المغني، وهو في صدد الحديث عن الطواف والسعي راكبا للعذر: ومن طاف وسعى محمولا لعلة، أجزأه. لا نعلم بين أهل العلم خلافا في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر، فإن ابن عباس روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طاف في حجة الوداع على بعير، يستلم الركن بمحجن. وعن أم سلمة قالت: شكوت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني أشتكي، فقال: طوفي من وراء الناس، وأنت راكبة. متفق عليهما. وقال جابر: طاف النبي -صلى الله عليه وسلم- على راحلته بالبيت، وبين الصفا والمروة؛ ليراه الناس، وليشرف عليهم، وليسألوه، فإن الناس غشوه. انتهى.
فكان طوافه راكبا لعذر، وكذا ترخيصه لأم سلمة -رضي الله عنها- لعذر وهو المرض. وأنت معذرورة بألم رجلك، وحصول الضرر لك بالمشي؛ فلك أن تترخصي بالركوب مثل أم سلمة -رضي الله عنها-.
قال الشرنبلالي -الحنفي- في حاشيته على درر الحكام: ويجب المشي في السعي، لمن لا عذر له. اهـ.
وقال المرداوي -الحنبلي- في الانصاف: السعي راكبا كالطواف راكبا، على الصحيح من المذهب. اهـ.
وقال الدسوقي -المالكي- في حاشيته على الشرح الكبير للدردير: المشي في كل من الطواف والسعي واجب على القادر عليه. فلا دم على عاجز طاف، أو سعى راكبا، أو محمولا. وأما القادر إذا طاف، أو سعى محمولا، أو راكبا، فإنه يؤمر بإعادته ماشيا ما دام بمكة، ولا يجبر بالدم حينئذ. كما يؤمر العاجز بإعادته إن قدر ما دام بمكة. وإن رجع لبلده فلا يؤمر بالعود لإعادته، ويلزمه دم. فإن رجع وأعاده ماشيا سقط الدم عنه، في الطواف الواجب، وأما الطواف غير الواجب فالمشي فيه سنة، وحينئذ فلا دم على تارك المشي فيه. اهـ.
بل إن ركوب الطائف والساعي لغير عذر جائز عند الشافعية، وممنوع عند الجمهور. والأفضل المشي عند الجميع، بل حكي إجماعا.
قال الإمام النووي -رحمه الله- في المجموع: فرْعٌ: ونقل الماوردي إجماع العلماء على أن طواف الماشي أولى من طواف الراكب، فلو طاف راكبا لعذر أو غيره، صح طوافه، ولا دم عليه عندنا في الحالين....اهـ.
والسعي عندهم في هذه المسألة كالطواف.
والله أعلم.