الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن صح ما ذكرت عن ابنتك من تصرفات سيئة معك، فإنها بذلك قد بلغت من السوء مبلغا عظيما، ووقعت في مستنقع العقوق، وهو من كبائر الذنوب. وكونك قد قسوت عليها لا يسوغ لها بحال أن تفعل ما فعلت، فمن حق الوالد أن يحسن له ولده، وإن أساء في حقه، وظلم، أو قصر. ونرجو مطالعة الفتوى: 397060.
ودعاؤك لها بخير من أفضل ما ينبغي أن تقومي به، فنوصيك بذلك، وكوني على حذر من الدعاء عليها، فدعاء الوالد مستجاب؛ سواء دعا لولده، أو دعا عليه.
روى ابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث دعوات يستجاب لهن، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده. وعند أحمد والترمذي بلفظ: ودعوة الوالد على ولده.
ونوصيك بمناصحتها برفق ولين، وتذكيرها بالله تعالى، وليكن ذلك من قبل من له مكانة عندها من إخوتها أو غيرهم، فلعلها يلين قلبها، وترجع إلى ربها، وترزق الهداية، فإن تم ذلك، فالحمد لله، وإلا فلتُهْجَر إن رجي أن ينفعها الهجر، وإن خشي أن يزيدها عنادا، فالأفضل الصبر عليها، ومحاولة تأليف قلبها، وانظري الفتوى: 134761.
وننبه الوالدين إلى الحذر من القسوة على الأولاد بالقدر الذي قد يكون له أثر سلبي عليهم، وفي المقابل ينبغي للأولاد أن يعلموا أن الغالب في قسوة الوالدين على الأولاد أنها تكون من منطلق الشفقة عليهم، والحرص على مصلحتهم، وليعلموا أيضا أن الوالدين ليسا كغيرهما من الناس، فلا يعامَلان بنوع من الندية، وإنما بالاحترام والرحمة والإحسان: فقد قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24}.
والله أعلم.