الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما دمت لم تقصد فتح تلك الصفحة، وغضضت بصرك مباشرة عند ظهور الصور؛ فلا مؤاخذة عليك -إن شاء الله-، ولا أثر لذلك على صومك؛ فإن الخطأ مرفوع عن هذ الأمة، قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}.
قال ابن كثير: فإن الله قد وضع الحرج في الخطأ، ورفع إثمه، كما أرشد إليه في قوله آمرًا عباده أن يقولوا: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة:286]، وثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله: قد فعلت". وفي صحيح البخاري، عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ، فله أجر". وفي الحديث الآخر: "إن الله رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما يكرهون عليه". وقال ها هنا: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورًا رحيمًا}، أي: وإنما الإثم على من تعمد الباطل، كما قال تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}. اهـ.
قال ابن رجب: قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان)) فأما الخطأ والنسيان، فقد صرح القرآن بالتجاوز عنهما، قال الله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}، وقال: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم}. ثم قال: الخطأ: هو أن يقصد بفعله شيئًا، فيصادف فعله غير ما قصده، مثل: أن يقصد قتل كافر، فيصادف قتله مسلمًا. والنسيان: أن يكون ذاكرًا لشيء، فينساه عند الفعل، وكلاهما معفو عنه، بمعنى أنه لا إثم فيه. اهـ. من جامع العلوم والحكم.
وأما من تعمد النظر إلى الصور المحرمة: فإن ذلك ينقص من ثواب صومه، ولكنه لا يبطله عند عامة العلماء، جاء في كشاف القناع: (ويجب اجتناب كذب، وغيبة، ونميمة، وشتم) أي: سب (وفحش).
قال ابن الأثير: هو كل ما اشتد قبحه من الذنوب، والمعاصي (ونحوه كل وقت) لعموم الأدلة، ووجوب اجتناب ذلك (في رمضان، ومكان فاضل، آكد) لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه، وشرابه» رواه البخاري. ومعناه: الزجر، والتحذير؛ ولأن الحسنات تتضاعف بالمكان، والزمان الفاضلين، وكذا السيئات.
(قال) الإمام (أحمد: ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه، ولا يماري) أي: يجادل (ويصون صومه، ولا يغتب أحدًا، ولا يعمل عملًا يجرح به صومه)، وكان السلف إذا صاموا، جلسوا في المساجد، وقالوا: نحفظ صومنا، ولا نغتاب أحدًا.
(فيجب كف لسانه عما يحرم) كالكذب، والغيبة، ونحوهما، (ويسن) كفّه (عما يكره) قلت: وعن المباح أيضًا؛ لحديث: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
(ولا يفطر بغيبة، ونحوها)، قال أحمد: لو كانت الغيبة تفطر، ما كان لنا صوم. وذكره الموفق إجماعًا. ذكر الشيخ تقي الدين وجهًا يفطر بغيبة، ونميمة، ونحوهما، قال في الفروع: فيتوجه منه احتمال يفطر بكل محرم، وقال أنس: "إذا اغتاب الصائم، أفطر"، وعن إبراهيم قال: "كانوا يقولون: الكذب يفطر الصائم". وعن الأوزاعي: من شاتم، فسد صومه؛ لظاهر النهي.
وذكر بعض أصحابنا رواية يفطر بسماع الغيبة. وقال المجد: النهي عنه؛ ليسلم من نقص الأجر.
قال في الفروع: ومراده: أنه قد يكثر، فيزيد على أجر الصوم، وقد يقل، وقد يتساويان.
وأسقط أبو الفرج ثوابه بالغيبة، ونحوها، ومراده ما سبق، وإلا فضعيف. اهـ.
والله أعلم.