الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أخرج الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن محمد بن سيرين أنه قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى حديث أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم.
قال القرطبي في المفهم: هذه الفتنة يعني بها -والله أعلم-: فتنة قتل عثمان، وفتنة خروج الخوارج على علي ومعاوية. اهـ.
وقال صفي الرحمن المباركفوري في منة المنعم: قوله: (الفتنة) أي فتنة الرفض والخروج، وأخذ الناس يختلقون الأحاديث، ويروون ما وافق هواهم، سواء ثبت أو لَمْ يثبت. اهـ.
وعبد الله بن سبأ اليهودي -عليه من الله ما يستحق- أحد أعمدة هذه الفتنة، بل هو رأسها وأصلها.
قال الدكتور مصطفى السباعي في كتابه السنة ومكانتها: لم يكن التابعون يتوقفون عن قبول أي حديث يرويه صحابي عن رسول الله، حتى وقعت الفتنة، وقام اليهودي الخاسر عبد الله بن سبأ بدعوته الآثمة التي بناها على فكرة التشيع الغالي القائل بألوهية عَلِيٍّ -رضي الله عنه- وأخذ الدَسُّ عَلَى السُنَّةِ يربو عصراً بعد عصر، عندئذ بدأ العلماء من الصحابة والتَّابِعِينَ يتحرون في نقل الأحاديث، ولا يقبلون منها إلا ما عرفوا طريقها وَرُوَّاتِهَا، واطمأنوا إلى ثقتهم وعدالتهم. اهـ.
وقال الدكتور محمد بن مطر الزهراني في بحثه: (علم الرجال نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع): كثرة السؤال عن الإسناد والتفتيش عنه ازدادت بعد وقوع فتنة عبد الله بن سبأ اليهودي وأتباعه في آخر خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ولم يزل استعمال الإسناد ينتشر ويزداد السؤال عنه مع انتشار أصحاب الأهواء بين المسلمين، وكثرة الفتن التي قد تحمل على الكذب، حتى أصبح الناس لا يقبلون حديثاً بدون إسناد حتى يعرف رواته ويعرف حالهم. اهـ.
والله أعلم.