الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يقوم به هذا الرجل من الشراء من جاره، ولو بثمن أعلى من ثمن المثل، بغرض إعانة الجار؛ عمل صالح من أبواب الخير والبرّ التي يحبها الله، وليس ذلك من الإسراف المذموم، بل هو من أنواع الصدقة الخفية التي هي أرجى للقبول، وأعظم أجرا.
قال المناوي –رحمه الله- في فيض القدير: قيل: ومن الخفية أن يشتري منه بدرهم ما يساوي نصفه، ففي الصورة قبضه بصورة البيع، وهو بالحقيقة صدقة. انتهى.
ومن أفضل وأنفع الوسائل لدعوة الناس، وتربية الأولاد وغيرهم على الفضائل والطاعات: أن يكون الداعي قدوة حسنة بعمله وسلوكه، وانظر الفتوى: 35308، والفتوى: 21752.
واعلم أنّ الله تعالى يخلف على المتصدّق خيرا، وقد يكون هذا الخلف في الدنيا أو في الآخرة.
قال القرطبي –رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) : ....أَيْ فَهُوَ يُخْلِفُهُ عَلَيْكُمْ، يُقَالُ: أَخْلَفَ لَهُ وَأَخْلَفَ عَلَيْهِ، أَيْ يُعْطِيكُمْ خَلَفَهُ وَبَدَلَهُ، وَذَلِكَ الْبَدَلُ إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا وَمَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا (. وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِي: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ... (الْحَدِيثَ. وَهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْخَلَفِ فِي الدُّنْيَا بِمِثْلِ الْمُنْفَقِ فِيهَا إِذَا كَانَتِ النَّفَقَةُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَدْ لَا يَكُونُ الْخَلَفُ فِي الدُّنْيَا فَيَكُونُ كَالدُّعَاءِ- كَمَا تَقَدَّمَ- سَوَاءٌ فِي الْإِجَابَةِ أَوِ التَّكْفِيرِ أو الادخار، والادخار ها هنا مِثْلُهُ فِي الْأَجْر. انتهى.
والله أعلم.