الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الجواب عما أثاره المدعي الذي ذكرته في سؤالك من شبهة يتلخص في نقاط:
أولاً: جاء في السؤال: قراءة ورش وقراءة حفص، والصواب أن يقال رواية ورش ورواية حفص، لأن كلاً من ورش وحفص صاحب رواية وليس قراءة. فورش أحد رواة قراءة نافع وحفص أحد رواة قراءة عاصم، فنسبة القراءة لكل من ورش وحفص خطأ في الاصطلاح.
ثانياً: نقول لهذا المدعي الذي تحدثت عنه في سؤالك: هل وجدت تناقضاً أيها المدعي بين رواية ورش ورواية حفص أو غيرهما من الروايات في المعنى؟ الجواب: لا، ولا يمكن إقامة الدليل على ذلك.
ثالثاً: ليعلم هذا المدعي وغيره أن اختلاف القراءات عندنا ليس عن رأي واجتهاد، وإنما هي سنة متبعة أي عن دليل واتباع، فإن القرآن ثابت بالنقل في جميع قراءات القرآن السبعة التي اشتهرت بين المسلمين وعملوا بها.
رابعًا: ليعلم أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ثم اجتمع المسلمون على حرف واحد، عندما جمع الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- القرآن في مصحف إمام، وأمر بما سواه من المصاحف فأحرقت، ووافقه الصحابة كلهم على ذلك، فكان إجماعاً.
وهذه القراءات السبع وجوه راجعة إلى هذا الحرف، ومعانيها ليس بينها تضاد كما سبق، بل فيها تنوع وتكامل يكشف عن وجوه في إعجاز القرآن وشمول معانيه، وتيسير تلاوته.
وما وقع بين القراءات من بعض الاختلافات؛ فهو في الشكل لا في أصل المعنى، ومن باب اختلاف التنوع في المعاني لا من باب التضاد، فإن الله نزه كلامه عن هذا الاختلاف الذي يضر.
وتعدد القراءات كان بوحي من الله لحكمة، لا عن تحريف وتبديل، ولهذا؛ فإنه لا يترتب عليه أمور شائنة ولا تناقض أو اضطراب، بل معانيها ومقاصدها متفقة.
ولنضرب مثالاً على ذلك بين روايتي ورش وحفص، قال تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [سورة البقرة: 10]. قرأ حفص: (يَكذبون) بفتح الياء، وسكون الكاف، وكسر الذال، بمعنى: يخبرون بالأخبار الكاذبة عن الله والمؤمنين. وقرأ ورش (يُكَذِّبُون)، بضم الياء، وفتح الكاف، وتشديد الذال المكسورة، بمعنى: يكذبون الرسل فيما جاءوا به من عند الله من الوحي، فمعنى كل من القراءتين لا يعارض الآخر ولا يناقضه، بل كل منهما ذكر وصفاً من أوصاف المنافقين، وصفتهم الأولى بالكذب في الخبر عن الله ورسله وعن الناس، ووصفتهم الثانية بتكذيبهم رسل الله فيما أوحى إليهم من التشريع، وكلاهما حق، فإن المنافقين جمعوا بين الكذب والتكذيب، وقد وضع العلماء شروطاً وضوابط دقيقة صارمة تتعلق بشأن رواية القرآن ورواته منها اشتراط التواتر في كل حرف وآية منه حتى تعتبر قرآناً .. من عرف ذلك أدرك أن الله قد حفظ كتابه، وجعل من صنيع هؤلاء العلماء أسباباً تظهر فيها مشيئته النافذة وحكمته القاضية بحفظه، وصدق الله العظيم: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9].
والله أعلم.