الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرًا على حرصك على العلم النافع، والعمل الصالح، ونسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك، ويوفّقك لما يحبه ويرضاه.
والذي ننصحك به أن تجتهدي في دراستك الثانوية، ولا تتركيها بحجة أنّها تعطّلك عن العبادة والعلم الشرعي؛ فالجمع بين الدراسة وبين العبادة المطلوبة والعلم الشرعي الواجب؛ أمر يسير -بإذن الله-، إذا استعنت بالله تعالى، وحرصت على تنظيم الأوقات، والموازنة والترتيب بين الأولويات.
ومما يعينك على ذلك: المحافظة على الصلاة المفروضة في أوقاتها، والقيام بها على الوجه الصحيح، مع الحرص على الخشوع فيها، والإقبال على الله تعالى؛ فهذه الصلاة مفتاح كل خير، وهي مع الصبر من أنفع الأسباب لتحصيل كل فلاح، قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ {البقرة:45}، قال السعدي -رحمه الله-: فبالصبر، وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه، معونة عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يتصبّر يصبّره الله. وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور. انتهى.
ومما يعينك على ذلك أيضًا: أن تعلمي أنّ دراستك الثانوية، وبعدها الجامعية، وحرصك على التفوق فيها، ليس فيه إضاعة للوقت، ولكنه انتفاع بالوقت في تعلّم العلوم النافعة، التي تحصل بها مصالح دينية ودنيوية كثيرة، وتنالين بها -إن شاء الله- أجورًا عظيمة، إذا صلحت النية، وحسن القصد، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ومن هذا يتبين أن كل علم ديني مع وسائله التي تعين على إدراكه، داخل فيما يرفع الله -من علمه، وعمل به، مخلصًا له- عنده درجات، وأنه مقصود بالقصد الأول.
وكل علم دنيوي تحتاجه الأمة، وتتوقف عليه حياتها -كالطب، والزراعة، والصناعة، ونحوها-، داخل أيضًا إذا حسنت النية، وأراد به متعلمه والعامل به نفع الأمة الإسلامية ودعمها، ورفع شأنها، وإغناءها عن دول الكفر والضلال، لكن بالقصد الثاني التابع، ودرجات كل متفاوتة؛ تبعًا لمنزلة ذلك من الدِّين، وقوته في النفع ودفع الحاجة، والله سبحانه هو الذي يقدّر الأمور قدرها، وينزلها منازلها، وهو الذي يعلم السر وما هو أخفى، وإليه الجزاء ورفع الدرجات في الدنيا والآخرة، وهو الحكيم العليم. انتهى. وراجعي الفتاوى: 339457، 342010، 188951، 15872.
والله أعلم.