الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاكما الله خيرا على حرصكما على طلب العفاف، وكل ما يعين عليه، ومن ذلك النكاح، وقد جاءت السنة الصحيحة مبينة أهمية النكاح للمتحابين، ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لم ير للمتحابين مثل النكاح.
والشرع قد حث على تيسير النكاح، وبين أن ذلك من أسباب بركته، وأنه سبب للغنى، كما في النصوص التي أشرت إليها في سؤالك، ونرجو مراجعة الفتوى: 7863.
وما ذكرت عن والد هذه الفتاة من اشتراطات مادية، فإنها أمر طبيعي، ولا حرج عليه فيه، فالغالب في الولي شفقته على موليته، وحرصه على كل ما فيه مصلحتها، وتحصيل أسباب دوام العشرة، والذي هو من أعظم مقاصد الشرع من تشريع الزواج، قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}.
وما دمت على هذه الحال من ضيق ذات اليد، وعدم القدرة على مؤنة الزواج، ولم تجد سبيلا لإقناع ولي هذه الفتاة في أمر زواجك منها، فاصبر حتى ييسر الله أمرك؛ لتتقدم للزواج منها، أو الزواج من غيرها. ولمعرفة كيفية علاج العشق انظر الفتوى: 9360.
ولم نفهم ما تعنيه بقولك:" نعمل سويا "، وعلى وجه العموم يجوز للمرأة أن تعمل وفقا للضوابط الشرعية، كما هو مبين في الفتوى 3859، وليس للولي أن يرفض أمر النكاح بكل حال لغير مسوغ شرعي.
وقولك: أنا سمعت عن حديث يقول فيما معناه أنه إن تزوجنا رغم فقرنا بغرض العفة....إلخ، فلم نجد حديثا يفيد المعنى، ولعلك تشير بذلك للحديث الذي رواه الطبراني والبيهقي عن كعب بن عُجرة -رضي الله عنه- قال: مرَّ على النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلٌ، فرأى أصحَابُ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ جَلَدِه ونشاطِهِ، فقالوا: يا رسولَ الله! لوْ كانَ هذا في سبيلِ الله؟ فقال رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنْ كانَ خرج يَسْعى على وَلَدِه صغارا، فهو في سبيل الله، وإنْ كان خرجَ يسْعى على أبوينِ شَيْخَينِ كبيرَينِ، فهو في سبيلِ الله، وإنْ كان خَرج يَسْعى على نفْسِه يَعَفُّها، فهو في سبيلِ الله، وإنْ كان خرجَ يَسْعى رياءً ومُفاخَرةً، فهو في سبيلِ الشيطانِ.
والحديث يدل على فضل السعي في طلب الكسب؛ تحصيلا للعفاف عن الحرام عموما، ومن العفاف عن الزنا.
قال المناوي في فيض القدير: قوله: (إن كان خرج يسعى على نفسه يعفها) أي عن المسألة للناس، أو عن أكل الحرام، أو عن الوطء الحرام. اهـ.
والله أعلم.