الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدين الثابت على الميت يجب قضاؤه من تركته. فإذا أقام هذا الشخص البينةَ الشرعيةَ على دينه، أو كنتم معترفين به؛ وجب عليكم قضاؤه من تركة أخيكم.
وأما إذا لم يُقِمِ البينة الشرعية، فلا شيء له، ولا يجب عليكم له شيء؛ لأنه لم يُقِمِ البينة على دعواه، وقد جاء في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ, لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ, وَأَمْوَالَهُمْ, وَلَكِنِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَححه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي, وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ.
قال الصنعاني في سبل السلام: والحديث دال على أنه لا يقبل قول أحد فيما يدعيه لمجرد دعواه، بل يحتاج إلى البينة، أو تصديق المدعى عليه...اهـ. والبينة التي تثبت بها الأموال: أقلها رجل وامرأتان، أو رجل ويمين المدعي.
جاء في المغني لابن قدامة: وَلَا يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَرَجُلٍ عَدْلٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ...
وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ ثُبُوتَ الْمَالِ لِمُدَّعِيهِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَشُرَيْحٍ، وَإِيَاسَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، وَرَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَالشَّافِعِيِّ. اهــ. مختصرًا.
فإذا أقام ذلك الرجل البينة على أن له دينا على أخيكم المتوفى؛ فأعطوه دينه من التركة قبل قسمتها على الورثة؛ لأن الدين مقدم على حق الورثة في المال. وإذا كنتم قسمتم التركة قبل أن تعطوه حقه، لم يسقط حقه، ويرجع على الورثة بما أخذوه.
وإذا لم يقم البينة على دعواه، فلا شيء له، وإن ثبت أن له دينا على أخيكم، ولم يكن -رحمه الله تعالى- قد ترك وفاء، فلا يلزمكم قضاء دينه، لكن إن تبرع أحد فقضى دينه من ماله، فهو مأجور -إن شاء الله تعالى- وراجع بشأن ذلك الفتوى: 334960.
والله أعلم.