الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس الابتلاء هو الطريق الوحيد للوصول إلى الله تعالى، بل من كان في عافية، فعليه أن يحمد الله تعالى، ويشكره، ويجتهد في طاعة ربه، ويستغلّ نعمة العافية تلك في التقرّب إلى الله تعالى، وفي المسند أن أبا بكر -رضي الله عنه- خطب الناس، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا عام الأول، وبكى أبو بكر، فقال أبو بكر: سلوا الله المعافاة، أو قال: العافية، فلم يؤت أحد قط بعد اليقين أفضل من العافية، أو المعافاة. قال محقق المسند: إسناده صحيح.
والأحاديث في الأمر بسؤال العافية كثيرة، فمن عافاه الله، فقد أنعم عليه نعمة عظيمة، فعليه أن يجتهد في شكرها، والقيام بواجب العبودية فيها، قال مطرف بن عبد الله: نظرت في العافية والشكر، فوجدت فيهما خير الدنيا والآخرة، ولأن أعافى فأشكر أحب إليّ من أن أبتلى فأصبر. ذكره ابن القيم في عدة الصابرين.
وإذا علمت هذا؛ فعليك أن تصحّحي تلك الفكرة التي استقرّت عندك من أن البلاء هو السبيل الوحيد للتقرّب إلى الله تعالى، ونيل رضاه، بل المؤمن يتقلّب في قدر الله تعالى وتدبيره، وحيث أقامه الله تعالى قام، فإن ابتلاه صبر، وكان في ذلك الخير له، وإن أنعم عليه شكر، وكان في ذلك الخير له، كما في حديث صهيب عند مسلم، فهو قائم بواجب العبودية في السراء والضراء، ومراده هو مرضات الله تعالى، ونيل الزلفى لديه.
فعليك ألا تشغلي نفسك بمن ابتلي ومن عوفي، وانظري في حالك، وقومي بواجب العبودية المنوط بك: فإن كانت نعمة، فاشكري، واجتهدي في طاعة الله، وإن كانت بلية، فاصبري، واجتهدي كذلك في طاعة الله.
فعليك -كما ذكرت- أن تحرصي على الصدق، والإخلاص في معاملة الله تعالى، وأن تأخذي بأسباب الاستقامة، والقرب من الله تعالى -من الحفاظ على الفرائض، والإكثار من النوافل، ولزوم الذكر، والدعاء، والابتهال إلى الله تعالى أن يثبتك ويرزقك القرب منه سبحانه-.
ثم إن الصحبة الصالحة من خير ما يستعان به على طاعة الله تعالى، فاحرصي عليها؛ لكونها سببًا للاستقامة، مع العلم واليقين أن مسبب الأسباب هو الله تعالى، وأنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وعلّقي قلبك به سبحانه، وسليه الهداية، والسداد.
وأما العلم الشرعي؛ فعليك بتعلّم ما يلزمك تعلّمه على الفور-من أحكام العبادات الواجبة -كطهارة، وصلاة-، وما يصح به الاعتقاد، ونحو ذلك، فهذا أولى ما تبدئين به، وانظري الفتوى: 170405.
ثم اجتهدي بعد ذلك في حفظ كتاب الله تعالى، ومعرفة تفسيره، وتعلّم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ودراسة الفقه والعقيدة؛ فإن في ذلك خيرًا كثيرًا -جعلنا الله وإياك ممن إذا أنعم عليهم شكروا، وإذا ابتلوا صبروا-.
والله أعلم.