الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحن ننصح هذا الرجل أوَّلًا بأن يستمر على ما هو عليه من طاعة الله تعالى، ويزيد من ذلك ما أمكن، ويجتهد في البحث الصادق الجاد عن عمل مناسب، ويكثر من دعاء الله تعالى، والابتهال إليه بأن ييسر أمره، ويفرج كربه.
ثم إن حديث الشؤم في ثلاثة: رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنما الشؤم في ثلاثة: في الفرس، والمرأة، والدار. والحديث رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري، وقد اختلف في معناه اختلافا كثيرا، وظاهر كلامهم أن الشؤم في الدار يكون بعد سكناها، فمجرد التعاقد عليها ليس موجبا لحصول هذا الشؤم، وكذا المرأة إنما يكون شؤمها بعد تزوجها.
قال الوليد الباجي في المنتقى شرح الموطأ: وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي -عَزَّ وَجَلَّ- يُجْرِي الْعَادَةَ فِي دَارٍ أَنَّ مَنْ سَكَنَهَا مَاتَ، وَقَلَّ مَالُهُ، وَتَوَالَتْ عَلَيْهِ الرَّزِيَّاتُ وَالْمَصَائِبُ، وَأَجْرَى الْعَادَةَ أَيْضًا فِي دَارٍ أُخْرَى بِخِلَافِ ذَلِكَ دُونَ أَنْ يَكُونَ لِلدَّارِ فِي ذَلِكَ صُنْعٌ، أَوْ تَأْثِيرٌ.
وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْرِيَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ بِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَهَا تَقْرُبُ وَفَاتُهُ، وَيَقِلُّ مَالُهُ، وَتَكْثُرُ حَوَائِجُهُ، وَأَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ أَيْضًا فِي امْرَأَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ ذَلِكَ، وقال أبو العباس القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: وإنما يعني بذلك: أن هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها لملازمتهم إياها، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك، فقد أباح الشرع له أن يتركه، ويستبدل به غيره مما تطيب به نفسه، ويسكن له خاطره، ولم يُلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه، أو مع امرأة يكرهها. بل قد فسح له في ترك ذلك كله، لكن مع اعتقاد أن الله تعالى هو الفعَّال لما يريد، وليس لشيء من هذه الأشياء أثر في الوجود. انتهى
وقال الشيخ ابن عثيمين في لقاءات الباب المفتوح: ومراد الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أن نفس هذه الأشياء قد يكون فيها شؤم، فمثلًا: قد يسكن الإنسان الدار، ويضيق صدره، ويقلق، ويتألم من حين يدخلها، أو يشتري المركوب، ويكون فيه حوادث كثيرة من حين اشترى -مثلا- هذه السيارة؛ فيتشاءم منها، ويبيعها، والمرأة كذلك، قد يتزوج المرأة، وتكون سليطة اللسان بذيئة، تحزنه كثيرا، وتقلقه كثيرا، فهذا هو الشؤم الذي يذكر في هذه الأمور الثلاثة التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم-. انتهى
وإذا علمت هذا؛ فلا ينبغي له ترك مخطوبته، ولا ترك الدار التي تعاقد عليها لهذا السبب، وعليه أن يتوكل على الله تعالى، ويلجأ إليه، ويعتصم به، ويسأله التوفيق والتسديد.
وانظر للكلام على شرح حديث: الشؤم في ثلاثة. فتوانا: 143575.
والله أعلم.