الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمعجزات والكرامات لا تكون كذلك إلا إذا خالفت المألوف، وأتت على غير العادة، كما حصل في قصة خالد بن الوليد -رضي الله عنه- من شرب السم! ولو حصل هذا مع كل الناس، أو أغلبهم، أو حتى مع كثير منهم، لما كان للكرامات كبير معنى!
ولا يصح لعاقل -فضلا عن مسلم- أن يجري أمور دنياه على انتظار خرق العادة له، فيجعل الاستثناء قاعدة، والأصل شاذا، ويترك الأخذ بالأسباب المشروعة؛ فإن ذلك من التواكل والعجز المذموم، وليس من التوكل المأمور به.
والله -سبحانه- اقتضت حكمته ومشيئته ربط المسببات بأسبابها، وترتيب النتائج على مقدماتها، ومخالفة ذلك في حال الاختيار قدح في الشرع والعقل معا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل. والإعراض عن الأسباب المأمور بها، قدح في الشرع؛ فعلى العبد أن يكون قلبه معتمدا على الله لا على سبب من الأسباب ..
فإن كانت الأسباب مقدورة له وهو مأمور بها، فعلها مع التوكل على الله، كما يؤدي الفرائض، وكما يجاهد العدو، ويحمل السلاح، ويلبس جنة الحرب. ولا يكتفي في دفع العدو على مجرد توكله بدون أن يفعل ما أمر به من الجهاد، ومن ترك الأسباب المأمور بها، فهو عاجز مفرط مذموم. اهـ.
وراجع للفائدة، الفتويين: 161241، 268192.
ومن المعلوم أنه لا يمكن لعاقل أن يترك شرب الماء وهو محتاج إليه، بحجة أن الله يُرويه إذا شاء؟ أو يترك النكاح وينتظر الولد، بحجة أن الله يرزقه الولد إذا شاء، وعلى هذا تقاس بقية الأمور.
ويبقى مع ذلك للأحوال الخاصة حكمها من حصول الكرامات، ومنها شرب خالد للسم، وراجع في ذلك الفتوى: 248107.
والله أعلم.