الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في عدة فتاوى سابقة كراهة إقامة سرادقات العزاء، وأن قراءة القرآن في تلك السرادقات بدعة في الدِّين، كما في الفتوى: 146089، والفتوى: 75790.
وقد كره أهل العلم لأهل الميت أن يصنعوا الطعام للمعزين، جاء في الموسوعة الفقهية: وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الضِّيَافَةُ مِنْ أَهْل الْمَيِّتِ؛ لأِنَّهَا شُرِعَتْ فِي السُّرُورِ، لاَ فِي الشُّرُورِ، وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ. اهــ.
وقال ابن قدامة في المغني: فَأَمَّا صُنْعُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا لِلنَّاسِ، فَمَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مُصِيبَتِهِمْ، وَشُغْلًا لَهُمْ إلَى شُغْلِهِمْ، وَتَشَبُّهًا بِصُنْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَرُوِيَ أَنَّ جَرِيرًا وَفَدَ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: هَلْ يُنَاحُ عَلَى مَيِّتِكُمْ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَيَجْعَلُونَ الطَّعَامَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ذَاكَ النَّوْحُ. وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ، جَازَ؛ فَإِنَّهُ رُبَّمَا جَاءَهُمْ مَنْ يَحْضُرُ مَيِّتَهُمْ مِن الْقُرَى وَالْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ، وَيَبِيتُ عِنْدَهُمْ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ إلَّا أَنْ يُضَيِّفُوهُ. اهــ.
وهذه الكراهة في حق أهل الميت، وليس على الميت شيء، ما دام أنه لم يأمر بذلك.
وأما المبلغ المذكور، فهو من جملة التركة، وليس من حق الابن أن يفعل ذلك دون إذن بقية الورثة، وإلا كان متعديًا ضامنًا لما أنفقه، إلا أن يسامحه الورثة.
وإن كان في الورثة صغار قصّر؛ فإنه لا عبرة بإذنهم، ويحرم إنفاق شيء من نصيبهم في التركة في إقامة تلك السرادقات، وقد نقلنا في الفتوى المحال عليها أولًا فتوى الأزهر، وجاء فيها: أنه إذا أنفق عليها من أموال القصر، كانت حرامًا.
والله أعلم.