الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للداعية أن يكون قصده من دعوته التكسب، واتخاذ الدعوة وسيلةً للدنيا؛ لأن هذا من إرادة الدنيا بعمل الآخرة، وقد بينا في الفتوى: 197723، والفتوى: 300781 خطورة إرادة الدنيا بعمل الآخرة من غير قصد التقرب إلى الله تعالى، وأن ذلك محبط للعمل، ومتوعد صاحبه في الآخرة بالنار -والعياذ بالله-.
ومن مقوّمات صدق الداعية في دعوته أن يكون مخلصًا لله تعالى في دعوته، لا يريد بها غرضًا دنيويًّا من مال، أو جاه.
وقد أخبرنا الله في كتابه عن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- أنهم لم يريدوا بدعوتهم أجرًا من أقوامهم، كما في قوله تعالى عن نوح -عليه السلام- أنه قال: وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ {هود:29}، وقوله تعالى: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ {ص:86}، وقوله تعالى عَنْ نُوحٍ، وَهُودٍ، وَصَالِحٍ، وَلُوطٍ، وَشُعَيْبٍ -عَلَيْهِمْ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {الشعراء:109}، {الشعراء:127}، {الشعراء:145}، {الشعراء:164}، {الشعراء:180}، وغير ذلك من الآيات.
وأما من قصد بدعوته التقرب إلى الله تعالى، ودعوة خلقه إليه، وتقاضى راتبًا أو أجرًا من الدولة على ذلك، أو من الأوقاف المخصصة للدعاة مثلًا تبعًا، فهذا لا حرج فيه، ولا يقال عنه: إنه يتكسب من وراء الدعوة، ما دام أن تحصيل المال جاء تبعًا لا قصدًا، وانظر الفتوى: 140752 عن حكم أخذ أجرة على تعليم العلوم الشرعية.
والله أعلم.