الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي لك -أخي السائل- أن تقطع النافلة لأجل الرد على الهاتف، وقد ذكرنا أقوال الفقهاء في حكم قطع النافلة بين مانع ومجيز في الفتوى: 96382 بعنوان: "حكم قطع النافلة للرد على الهاتف" وذكرنا أن الأحوط عدم قطع النافلة.
فإذا شرعت في صلاةٍ ورنّ الهاتف، فأكمل صلاتك، ولا تقطعها، ولو كانت نافلة، إلا إذا علمت أن عدم الرد على الهاتف قد يترتب عليه ضرر، كمن يستقبل هاتف الحالات الطارئة -كالحرائق-، والإسعاف الطبي؛ فإنه يقطع الصلاة ويرد على الهاتف، ولو كان في فريضة؛ أخذًا مما ذكره الفقهاء في جواز قطع الفريضة في بعض الحالات، ومنها: إغاثة الملهوف، وإنقاذ المعصوم، جاء في «الموسوعة الفقهية الكويتية»: قَطْعُ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا بِلَا مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ، غَيْرُ جَائِزٍ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَنَّ قَطْعَهَا بِلَا مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ عَبَثٌ، يَتَنَافَى مَعَ حُرْمَةِ الْعِبَادَةِ، وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنْ إِفْسَادِ الْعِبَادَةِ، قَال تَعَالَى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}.
أَمَّا قَطْعُهَا بِمُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ، فَمَشْرُوعٌ، فَتُقْطَعُ الصَّلَاةُ لِقَتْل حَيَّةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِلأَمْرِ بِقَتْلِهَا، وَخَوْفِ ضَيَاعِ مَالٍ لَهُ قِيمَةٌ -لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ-، وَلإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ، وَتَنْبِيهِ غَافِلٍ أَوْ نَائِمٍ قَصَدَتْ إِلَيْهِ نَحْوَ حَيَّةٍ، وَلَا يُمْكِنُ تَنْبِيهُهُ بِتَسْبِيحٍ، وَيُقْطَعُ الصَّوْمُ لإِنْقَاذِ غَرِيقٍ، وَخَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ رَضِيعٍ. انتهى.
وأما كونك في العمل وأن الوقت مخصص للعمل: فللموظف أن يستقطع وقتًا من عمله للوضوء وصلاة الفريضة والراتبة، ولا يعدّ هذا إخلالًا بالعمل، وقد نص الفقهاء على أن الأجير الخاص له من وقت العمل ما يكفي طهارته وفريضته وراتبتها، قال زكريا الأنصاري -الشافعي- في «أسنى المطالب في شرح روض الطالب»: زَمَنُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَلَوْ جُمُعَةً، وَالرَّاتِبَةِ، مُسْتَثْنًى فِي الْإِجَارَةِ لِعَمَلِ مُدَّةٍ، فَلَا تَنْقُصُ مِنْ الْأُجْرَةِ شَيْئًا. انتهى.
ولكن لو اشترط عليك صاحب العمل عدم التنفل؛ فيلزمك الوفاء بالشرط، جاء في أسنى المطالب -أيضًا-: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ: وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الرَّوَاتِبَ، وَأَنْ يَقْتَصِرَ فِي الْفَرَائِضِ عَلَى الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ، صَحَّ، وَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ إنَّمَا خَرَجَتْ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْعُرْفِ الْقَائِمِ مَقَامَ الشَّرْطِ. فَإِذَا صَرَّحَ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِمَّا يُجَوِّزُهُ الشَّرْعُ وَيُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ، جَازَ. انتهى.
والله أعلم.