الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمثل هذه المسائل ينبغي رفعها لقاضٍ، أو محكَّمٍ شرعي؛ لسماع الطرفين، والاطلاع على البينات، من جهة، ولرفع النزاع بترجيح أحد أقوال الفقهاء، والحكم به من جهة أخرى.
وذلك أن الفقهاء قد اختلفوا فيمن باع أرضا على أن مساحتها كذا وكذا، بانت أقل من ذلك، هل يصح هذا البيع أم لا؟ وإن كان صحيحا، فهل للمشتري أو البائع الفسخ أم لا؟ وإذا اختار إمضاء البيع، فهل يكون بالثمن كله أم بحصته من المبيع؟
قال العمراني في «البيان في مذهب الإمام الشافعي»: إن قال: بعتك هذا الثوب، أو هذه الأرض، على أنها عشرة أذرع، فبانت تسعة أذرع.. فالمشتري بالخيار: بين أن يفسخ البيع؛ لأنه أنقص مما شرط، وبين أن يجيز البيع. وبكم يجيز؟ فيه وجهان:
أحدهما: حكاه القاضي أبو الطيب في المجرد: أنه يمسك التسعة بحصتها من ثمن العشر، كما قلنا في الصبرة من الحنطة. والثاني: وهو الصحيح: أنه يمسكها بجميع الثمن؛ لأن الحنطة تتساوى أجزاؤها، فكان ما فقد مثل ما وجد، وليس كذلك الثوب والأرض، فإن أجزاءهما لا تتساوى، فلم يكن ما فقد مثل ما وجد. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: ذكر أصحابنا وغيرهم في من باع دارا على أنها عشرة أذرع، فبانت تسعة، أو أحد عشر، أن البيع باطل في أحد الوجهين، وفي الآخر، تكون الزيادة للبائع، والنقص عليه. اهـ.
وقال أيضا: إذا قال: بعتك هذه الأرض، أو هذا الثوب، على أنه عشرة أذرع ... فبان تسعة، ففيه روايتان؛ إحداهما، يبطل البيع. والثانية، البيع صحيح، والمشتري بالخيار بين الفسخ والإمساك بتسعة أعشار الثمن. وقال أصحاب الشافعي: ليس له إمساكه إلا بكل الثمن، أو الفسخ. اهـ.
وقال أبو البركات ابن تيمية في المحرر: إذا باعه أرضا على أنها عشرة أذرع، فبانت تسعة، فللمشتري ردها، أو إمساكها بالقسط. اهـ.
والله أعلم.