الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنحمد الله أولًا على توبتك، ونسأله أن يثبتك عليها.
ولا ينبغي لك التخلص من تلك المعازف برميها، فربما أخذه غيرك، واستعمله، وتكون قد أعنته على المنكر، ولو بغير قصد.
والذي نوصيك به هو أن تكسره، بحيث لا يمكن لمن وجده أن يستعمله، وقد ذكر الفقهاء أن المعازف تكسر، ولو كانت للغير، وأنه لا ضمان في تكسيرها، وهذا قول أكثر العلماء، قال ابن القيم في كتابه: "الطرق الحكمية": الْمُنْكَرَاتُ -مِنْ الْأَعْيَانِ، وَالصُّوَرِ- يَجُوزُ إتْلَافُ مَحَلِّهَا تَبَعًا لَهَا، مِثْلُ الْأَصْنَامِ الْمَعْبُودَةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، لَمَّا كَانَتْ صُوَرُهَا مُنْكَرَةً: جَازَ إتْلَافُ مَادَّتِهَا، فَإِذَا كَانَتْ حَجَرًا، أَوْ خَشَبًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ: جَازَ تَكْسِيرُهَا، وَتَحْرِيقُهَا، وَكَذَلِكَ آلَاتُ الْمَلَاهِي -كَالطُّنْبُورِ- يَجُوزُ إتْلَافُهَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.
قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ كَسَرَ عُودًا كَانَ مَعَ أَمَةٍ لِإِنْسَانٍ، فَهَلْ يَغْرَمُهُ، أَوْ يُصْلِحُهُ؟
قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ بَأْسًا أَنْ يَكْسِرَهُ، وَلَا يَغْرَمُهُ، وَلَا يُصْلِحُهُ ...
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ يُسْأَلُ عَنْ قَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ، فَنَهَاهُمْ، فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَأَخَذَ الشِّطْرَنْجَ، فَرَمَى بِهِ؟
قَالَ: قَدْ أَحْسَنَ.
قِيلَ: فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ؟
قَالَ: لَا.
قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ إنْ كَسَرَ عُودًا أَوْ طُنْبُورًا؟
قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَمِعْت أَبِي فِي رَجُلٍ يَرَى مِثْلَ الطُّنْبُورِ، أَوْ الْعُودِ، أَوْ الطَّبْلِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا- مَا يَصْنَعُ بِهِ؟
قَالَ: إذَا كَانَ مَكْشُوفًا، فَاكْسِرْهُ.
وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، وَأَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَرَى الطُّنْبُورَ وَالْمُنْكَرَ: أَيَكْسِرُهُ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ.
وَقَالَ أَبُو الصَّقْرِ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ رَأَى عُودًا، أَوْ طُنْبُورًا، فَكَسَرَهُ، مَا عَلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ أَحْسَنَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي كَسْرِهِ شَيْءٌ. اهــ.
والخلاصة؛ أننا نوصيك بأن تتخلّص منه بكسره؛ حتى لا يستعمله أحد بعدك، ولا ترمه في القمامة دون إتلافه.
والله أعلم.