الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالربا نوعان: ربا الفضل، وربا النسيئة، وقد يجتمعان في صورة، وقد ينفرد كل واحد منهما في صورة؛ فصور الربا إذن ثلاث:
الصورة الأولى: (ربا الديون)، وهي التي يجتمع فيها ربا الفضل والنسيئة؛ كأن يقرض الدائن المدين مائة دينار، فإذا حلّ أجل السداد، اتفقا على تأجيله مقابل زيادة يدفعها المدين؛ فتصير مائة وعشرين مثلًا؛ فهذه ليست ربا الفضل فحسب، بل هي ربا نسيئة، وفضل؛ لاشتمالها على الزيادة، والتأجيل.
بخلاف ربا البيوع؛ فإنه قد يقتصر على واحد منهما، وهذه الصورة هي المحرمة في ذاتها، والمقصودة بالتحريم في الأصل، وهي ما كان أهل الجاهلية يفعلونه.
الصورة الثانية، وهي من ربا البيوع، وهي الصورة التي ينفرد فيها ربا الفضل؛ كأن يعطيه صاعًا من التمر الجيد مقابل صاعين من التمر الرديء، مع التقابض في مجلس العقد، وكأن يعطيه مائةَ دولارٍ ورقةً واحدةً مقابل مائةً ورقتين من فئة خمسين مع زيادة عشر دولارات، مع التقابض في مجلس العقد؛ فهذه ليس فيها تأخير، ولكن فيها زيادة في المقدار، وقد ذكرنا الحكمة من تحريم هذا النوع من الربا في الفتوى: 72601.
الصورة الثالثة، وهي من ربا البيوع، والتي ينفرد فيها ربا النسيئة؛ كأن يعطيه عشرين صاعًا من التمر حالَّةً مقابل مثلها مؤجلةً، وكأن يعطيه مثلًا مائة دولار حالّةً مقابل مائة يورو مؤجلةً، فهذه محرمة -وإن لم يكن فيها فضل-؛ لأن الشرع اشترط التقابض قبل التفرّق -فيما يُشترط فيه التقابض-.
والحكمة من هذا المنع؛ لئلا يكون ذريعة إلى الصورة الأولى من الربا، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في أعلام الموقعين: حَرَّمَ التَّفْرِيقَ فِي الصَّرْفِ، وَبَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِمِثْلِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَرِيعَةً إلَى التَّأْجِيلِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ بَابِ الرِّبَا، فَحَمَاهُمْ مِنْ قُرْبَانِهِ بِاشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي الْحَالِ، ثُمَّ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ فِيهِمْ التَّمَاثُلَ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ حَتَّى لَا يُبَاعَ مُدٌّ جَيِّدٌ بِمُدَّيْنِ رَدِيئَيْنِ، وَإِنْ كَانَا يُسَاوِيَانِهِ؛ سَدًّا لِذَرِيعَةِ رِبَا النَّسَاءِ، الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الرِّبَا. انتهى.
والربا بنوعيه؛ محرم، لا يجوز الدخول فيه.
ومن دخل في عقد ربوي؛ كما لو صارف عملة نقدية بعملة أخرى، ولم يحصل التقابض؛ فعقده باطل، جاء في المغني لابن قدامة -رحمه الله-: وإذا باع شيئًا من مال الربا بغير جنسه، وعلة ربا الفضل فيهما واحدة، لم يجز التفرق قبل القبض، فإن فعلا، بطل العقد. انتهى.
وعليه؛ فالتوبة من الصرف المحرم الذي لم يحصل فيه التقابض؛ تكون بفسخ هذا العقد، فيردّ كل طرف إلى الآخر ما أخذه من العملات النقدية، أو مثلها، إذا كانت قد هلكت.
وإذا أرادا أن يتصارفا عَقَدا عقْدًا جديدًا يتقابضان فيه قبل التفرّق.
وإذا لم يقدر المتصارف على فسخ العقد؛ لكونه لا يعرف الطرف الآخر، أو لا يقدر على الوصول إليه مثلًا؛ فليس عليه إلا التوبة إلى الله تعالى، وراجع الفتوى: 382753.
والله أعلم.