الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يمكن تنفيذ الوصية المذكورة كما وردت؛ لأنه ليس لأخيك حق في توزيع تركته بعد أن قسّم الله تعالى التركة بنفسه، ولم يكِلْها إلى تقسيم مَلَك مقرب، ولا إلى نبي مرسل.
وإنما يحق لأخيك أن يوصي بثلث ماله لغير من يرثه؛ لما ثبت في الصحيحين أن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أراد أن يوصي بشطر ماله، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: ... الثلث، والثلث كثير، أو كبير ...
وما كان أوصى به مما هو أكثر من الثلث؛ فإن الوصية تمضي في الثلث فقط، ولا تمضي بما يزيد عن الثلث، إلا إذا رضي ورثته الشرعيون الراشدون بذلك، قال ابن قدامة في المغني: وجملة ذلك: أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث، من غير إجازة، وما زاد على الثلث، يقف على إجازتهم: فإن أجازوه، جاز، وإن ردوه، بطل في قول جميع العلماء. والأصل في ذلك، قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال: أوصي بمالي كله، قال: لا، قال: فبالثلثين؟ قال: لا، قال: فبالنصف؟ قال: لا، قال: فبالثلث، قال: الثلث والثلث كثير. قال: وقوله عليه السلام: إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند مماتكم. يدل على أنه لا شيء له في الزائد عليه.. انتهى.
وفيما يتعلق بديون أخيك الثابتة عليه، تقضى من أصل ماله، ولا تدخل في وصيته؛ حتى لو لم يوصِ بقضائها، وتخرج الديون قبل اخراج الوصية، وقبل قسم التركة، قال خليل -رحمه الله- - عاطفًا بثم التي تفيد الترتيب -: .. ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ، ثُمَّ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ الباقي، ثم الباقي لوارثه. انتهى.
ولم تبين هل اخوات أخيك شقيقات، أو من الأم، أو من الأب:
فإن كنّ شقيقات، فتقسم التركة على النحو التالي: للأم السدس -فرضًا-؛ لوجود عدد من الإخوة؛ قال الله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ {النساء:11}، والباقي يرثه الأخوات الشقيقات مع أخيهنّ، للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ {النساء:176}.
وعلى هذا؛ فلا تجوز الوصية لهنّ؛ لأنها وصية لوارث، وهي غير جائزة، إلا إذا أجازها الورثة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث. رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وكذلك الحال إذا كانت الأخوات من الأم؛ فتقسم التركة على النحو التالي: للأم السدس فرضًا، وللأخوات من الأم الثلث فرضًا؛ لتعددهنّ، وعدم وجود الآباء والأبناء؛ قال الله تعالى: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ {النساء:12}، والمراد هنا الإخوة للأم بالإجماع، كما نص على ذلك أهل العلم، وما فضل عن فرضي الأم والأخوات للأم يأخذه الأخ الشقيق تعصيبًا.
أما إذا كنّ منّ الأب، فلا يرثن؛ لأنهنّ محجوبات بوجود الأخ الشقيق، قال ابن رشد في بداية المجتهد: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْأخوةَ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ يَحْجُبُونَ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ عَنِ الْمِيرَاثِ. اهــ. وتقسم التركة على النحو التالي: للأم السدس فرضًا، وما بقي للأخ الشقيق تعصيبًا.
ومن ثم؛ ففي حالة ما إذا كانت الأخوات وارثات؛ فإن ثلث الوصية يقسم بين زوج أخته الكبرى، وبين شراء مصاحف للتوزيع.
أما إذا كانت الأخوات من الأب؛ فتصح لهنّ الوصية؛ لأنهنّ لسن وارثات.
وبناء عليه؛ فيقسم ثلث الوصية ثلاثة أثلاث: ثلث للأخوات من الأب، وثلث لزوج أخته الكبرى، وثلث تشترى به مصاحف للتوزيع، قال في الفواكه الدواني: "وإذا ضاق الثلث" أي: لم يسع جميع ما أوصى به "تحاصّ أهل الوصايا التي لا تبدئة فيها"، كما تتحاصّ غرماء المفلس في المال الذي يتحصل من أثمان ما يبع عليه، فإنه يقسم بينهم بنسبة ديونهم بعضها لبعض، والوصايا التي لا تبدئة فيها هي التي لم يرتبها الموصي، ولا الشارع، كأن يوصي لشخص بنصف ماله مثلًا، ولآخر بثلثه، وإن أجازت الورثة الوصيتين؛ فلا إشكال في أخذ أحدهما نصفه، والآخر ثلثه.. وإن لم تجز الورثة الزائد؛ اقتسما الثلث على النصف، والثلث. انتهى.
هذا؛ وننبهك إلى أن الزوجة التي ذكرت أن أخاك قد طلّقها قبل وفاته:
إذا كان قد طلّقها ثلاثًا، أو طلاقًا بائنًا -مثل الخلع-، أو أقل من الثلاث، وانقضت عدتها قبل وفاته؛ فلا إرث لها في تركته.
وإن كان قد طلقها طلاقًا رجعيًّا -بأن كان واحدة، أو اثنتين-، ومات قبل انقضاء عدتها؛ فإنها ترث منه ميراث الزوجة من زوجها عند عدم وجود الفرع الوارث، وهو الربع؛ لقول الله تعالى: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ {النساء:12}، جاء في المغني لابن قدامة: إذا طلّق الرجل امرأته طلاقًا يملك رجعتها في عدّتها، لم يسقط التوارث بينهما، ما دامت في العدة، سواء كان في المرض، أو الصحة، بغير خلاف نعلمه. وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود -رضي الله عنهم-؛ وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه، وظهاره، وإيلاؤه، ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها، ولا وليّ، ولا شهود، ولا صداق جديد، وإن طلقها في الصحة طلاقًا بائنًا أو رجعيًّا فبانت بانقضاء عدتها، لم يتوارثا إجماعًا. انتهى.
وينبه هنا على أن الفتوى قد تشعّبت وطالت؛ بسبب الاحتمال فيها؛ ولذا ننصح السائل بمشافهة أهل العلم ببلده عن المسألة؛ ليستفصلوا منه عما يحتاج إلى استفصال، دون الحاجة إلى فرض احتمالات، قد لا يكون لها وجود في الواقع، مع أنها قد تشعّب الفتوى وتطيلها.
والله أعلم.