الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأ الله تعالى لك الهداية، وأن يرزقك التقوى، ويعف نفسك عن الفواحش، ويحفظ جوارحك عن المعاصي صغيرها وكبيرها، ونسأله أن يجعل لك من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل بلاء عافية، إن ربنا سميع مجيب.
ونوصيك بالالتجاء، والتضرع إليه، والانكسار بين يديه؛ فلا ملجأ منه سبحانه إلا إليه. وأحسن الظن بربك، ولا تيأس من الدعاء، بل أيقن بالإجابة.
روى الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه.
ولا تعجل، فلله حكمته في اختيار وقت الإجابة، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي.
فسل ربك مصالح دينك ودنياك، وأبشر، وأمل في ربك ما يسرك، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 119608. ففيها بيان آداب الدعاء، وأسباب إجابته.
وشعورك بما أنت فيه من حال، وإسراف في الذنوب والمعاصي؛ هو بداية السير في الطريق الصحيح، فهذا يعني أن في قلبك حياة، فالميت لا يشعر، وما أحسن ما قاله المتنبي:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
وأنت بحاجة -بالإضافة لما أشرنا إليه من الدعاء والتضرع- إلى الصدق مع الله عز وجل، فالصدق لا يأتي إلا بخير، قال تعالى: فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ {محمد:21}، وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأحد أصحابه: إن تصدق الله؛ يصدقك. رواه النسائي في سننه. فاصدق الله، فإن تصدقه فلن يخذلك. إذن هذان أمران: الدعاء والصدق.
الأمر الثالث: المبادرة للتوبة بجد واجتهاد، فبذلك تفتح لنفسك بابا للخير تتبعه أبواب، فقد قال الله سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}. وباب التوبة مفتوح، ومغفرة الله تسع كل ذنب ارتكبته بما في ذلك ما أشرت إليه من سبك الدين، وهو بلا شك كفر وردة عن الإسلام، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.
وثبت في صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له حين أتى ليدخل في الإسلام: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله. فليس هنالك ما يدعوك لليأس والقنوط، وربك جواد كريم.
الأمر الرابع: أحسن اختيار من تصاحب، فجلساء الخير لن تجني منهم إلا خيرا، وكن على حذر من رفقاء السوء، فلن تجد إلا ما تكون عاقبته الخيبة والندامة في الدنيا والآخرة، ثبت في الصحيحين عن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إنما مثل الجليس الصالح، والجليس السوء؛ كحامل المسك، ونافخ الكير. فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة.
وفي الصحيحين أيضا عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحب قوما، ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: المرء مع من أحب.
الأمر الخامس: لا شك في أن الزواج من الخير العظيم، وهو سبب للاستقرار النفسي، ويعين على التفكير السليم، قال الله سبحانه: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}. فابذل ما تستطيع من الأسباب، واستعن بإخوانك المسلمين في الجمعيات، والهيئات الخيرية ليعينوك في تيسير أسباب الزواج؛ سواء في البحث عن الزوجة الصالحة، وغير ذلك.
الأمر السادس: أنت محسن بحذرك من الانتحار؛ لأنه ليس علاجا، بل انتقال من شقاء إلى شقاء أعظم، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.
وإذا كنت بارًّا بأمك فأبشر، فهذا البر قد يفتح الله سبحانه عليك بسببه كثيرا من أبواب الخير. ودعاء الأم مستجاب، فاطلب من أمك أن تكثر من الدعاء لك، روى ابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ثلاث دعوات يستجاب لهن، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده.
الأمر السابع: إذا كانت البيئة التي تعيش فيها سببا للحال التي أنت فيها بسبب انتشار الفساد، فمطلوب منك الانتقال منها إلى بيئة أخرى صالحة. ولا يجوز للمسلم البقاء في مكان يغلب على الظن حصول الفتنة في الدين له بالبقاء فيه، فتشرع الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وتشرع كذلك الهجرة من بلاد المعصية والفسق إلى بلاد الطاعة.
هذه بعض التوجيهات التي نسأل الله -عز وجل- أن ينفعك بها، وإن رأيت حاجتك للمزيد، أو لديك أي استشارة في أمورك، فراسل قسم الاستشارات بموقعنا على هذا الرابط:
https://islamweb.net/ar/consult/
والله أعلم.