الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الله -عز وجل- له الحكمة البالغة في أفعاله في خلقه، والواجب التسليم له في ذلك، فهو -سبحانه- لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، قال تعالى: وَاللهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {الرعد:41}، وقال: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}.
وهذا لا يعني أن لا يلتمس الناس الحكمة، بل لا بأس بالتماسها. فإن أدركناها، فالحمد لله، وإلا فنبقى على الإيمان والتسليم.
والرب -تبارك وتعالى- قد يعطي الإنسان، ويمده من نعمه، وهو مقيم على معاصيه، ابتلاء له وامتحانا، وذلك من باب الاستدراج. وقد يباغتهم بعده بشيء من الهلاك، روى الطبراني عن عقبة بن عامر الجهني -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معاصيه، فإنما ذلك له منه استدراج. ثم نزع بهذه الآية: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {الأنعام 45:44}.
وقد لا يعاجله بالعقوبة، ولا يعني ذلك أنه في عافية من البلاء، بل قد يكون حاله أعظم خطرا بأن يكون الله -تعالى- أمسك عنه العقوبة في الدنيا؛ ليغلظ عليهم العذاب في الآخرة، كما في سنن الترمذي من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه، حتى يوافي به يوم القيامة.
والله أعلم.