الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع وإدراك حقيقة الدعاوى والبينات والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا، وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم والإرشاد والتوجيه.
فنقول:
أولا: من المقرر عند الفقهاء أنه إذا طلب أحد البالغين الراشدين من الورثة قسمة التركة، وجبت إجابته لذلك، وعدم الامتناع عن القسمة لغير عذر شرعي، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 123998.
ثانيا: قد أحسن الأولاد في تجنبهم الصدام مع أمهم، ومراعاة ما جعل لها الشرع من مكانة عظيمة.
وإن تركوا المطالبة بحقهم في تركة أبيهم إرضاء لأمهم، وتحاشيا للاصطدام بها وإغضابها. فذلك من كمال برهم بها، ومن ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه.
ثالثا: إن أراد الأولاد تقسيم التركة ليأخذوا نصيبهم الشرعي فلهم ذلك -كما قدمنا- ويمكن أن يسعوا إلى ذلك بتوسيط الحكماء من ذويهم ليقوموا بإقناع الأم وابنتها بالموافقة على قسمة التركة، ويبينوا لهما أنه لا يجوز لهما الامتناع عن ذلك، وأن إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين -في بعض أحوال الميراث- هو مقتضى ما جاء به الشرع، وأنه لا يجوز الاعتراض على ذلك.
رابعا: إذا لم يتيسر إقناعهما، فيمكن للأولاد رفع الأمر للقضاء الشرعي، ولا يعتبر ذلك بمجرده عقوقا. كما بيناه في الفتوى: 283534.
وعلى الأولاد الاجتهاد في مداراتها والتلطف معها بكل حال، ليكسبوا رضاها.
والله أعلم.