الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا بأس بأن تكون الصفوف عن يمينها فراغ وعن يسارها فراغ في حال صلاة الجنازة، إذا كان ذلك لأجل أن تجعل الصفوف ثلاثة، لما ورد من استحباب أن يصف المصلون على الجنازة ثلاثة صفوف.
فقد روى مالك بن هبيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من مؤمن يموت فيصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غفر له، فكان مالك بن هبيرة يتحرى إذا قل أهل الجنازة أن يجعلهم ثلاثة صفوف. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه، وقد حسنه الترمذي في سننه، فهو صالح للاحتجاج به، وإن كان قد ضعفه الألباني مرفوعا، وقال الإمام أحمد بن حنبل: أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف، قالوا فإن كان وراءه أربعة كيف يجعلهم قال: يجعلهم صفين، أما رفع اليد في الدعاء، فقد وردت أحاديث صريحة تثبته، ولا تعارض بينها وبين حديث أنس المتفق عليه: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء. كما صرح بذلك ابن حجر فمن الأحاديث الصحيحة الصريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في الدعاء في غير الاستسقاء حديث أبي موسى الأشعري الذي في الصحيحين وفيه: فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ ثم رفع يديه ثم قال: اللهم اغفر لعبيدك أبي عامر حتى رأيت بياض إبطيه وغيره من الأحاديث التي ذكرها الإمام ابن حجر في الفتح، والحاصل أن الدعاء للميت عند القبر وغيره مع رفع اليدين أمر جائز، فقد أخرج أبو داود عن عثمان بن عفان أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل. أما الدعاء والتأمين بشكل جماعي مع استقبال القبلة أو غيره بعد دفن الميت، فإنه بدعة محدثة، فلم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا من هدي أصحابه، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، أما متى يحرم الدعاء عند القبر، فإنه لا توجد حالة يحرم فيها الدعاء عند القبر إلا إذا كان الدعاء في غير محله، بأن طلب من الميت شيئا أو استغاث به أو نحو ذلك، أما أن تدعو للميت، فلا يحرم في أي وقت من الأوقات.
والله أعلم.