الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن فعل أمرًا مباحًا، وهو معتقد لحرمته، فإنه يأثم لا لفعله، وإنما لنيته وعزمه وجرأته على ارتكاب الحرام، وإن كان إثمه ليس كإثم فاعل الحرام حقيقة. وراجع في ذلك الفتوى: 269365. وهذا فيما بين العبد وربه.
وأما في حقوق الناس والحدود و العقوبات؛ فلا بد من اعتبار الواقع، قال الدميري في شرح المنهاج: وطئ زوجته أو أمته ظانًا أنها أجنبية يزني بها .. عصى الله تعالى، ولا حدّ عليه، ولا يعاقب في الدار الآخرة عقاب الزاني؛ لانتفاء مفسده الزنى، بل يعاقب عقاب المجترئ على معاصي الله المخالف لأمره، وكذا من شرب شرابًا ظنه خمرًا فبان غيره، أو قتل إنسانًا يظنه معصومًا، فبان غير معصوم. اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي في «تحفة المحتاج»: لو وطئ أمته يظن أنه يزني بها، اعتدّت بقرء، ولحقه الولد. ولا أثر لظنه هنا لفساده، ومن ثم؛ لم يحدّ كما يأتي؛ لعدم تحقق المفسدة، بل ولا يعاقب في الآخرة عقاب الزاني، بل دونه، كما ذكره ابن عبد السلام، وغيره، نعم، يفسق بذلك، كما قاله ابن الصلاح، وكذا كل فعل قدم عليه يظنه معصية، فإذا هو غيرها. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: من اعتقد حلّه -يعني النبيذ المختلف فيه- ليس عليه إثم، ولا أدب؛ لأنه من مسائل الفروع المختلف فيها، ومن اعتقد حرمته، أثم، وأدب. اهـ.
وهذا ينطبق على من أخبر بما يوافق الواقع معتقدًا خلافه؛ فإنه يأثم للعلّة نفسها.
والله أعلم.