الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على كتابتك إلينا، وثقتك بموقعنا، وحرصك على بذل النصيحة لنا، ومراجعتنا فيما يشكل عليك من الفتاوى.
ثم اعلم أنّ المرأة المتزوجة إذا زنت -والعياذ بالله- وحملت؛ لا يترتب على زناها حصول اليقين بأنّ هذا الحمل من الزنى، بل غاية الأمر أن تكون هناك شبهة في كون الحمل من الزنى، لا من الزوج، وهذه الشبهة لا يصحّ أن يعارض بها الأصل الثابت، وهو كون الحمل من الزوج صاحب الفراش، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش.
وأمّا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم؛ فليست من الله في شيء... ففيه نهي ووعيد شديد للمرأة إذا نسبت للزوج من ليس منه؛ إذا كانت تعلم أنّ الولد ليس منه، قال المظهري -رحمه الله- في المفاتيح في شرح المصابيح: يعني: أية امرأة ولدت من الزنى، وهي تعلم كون الولد من الزنى، ثم قالت: هذا الولد من زوجي. انتهى.
فلا تعارض بين هذا، وبين قوله -صلى الله عليه وسلم-: الولد للفراش. فإنّه يتناول الحال التي يمكن فيها كون الولد من الزوج؛ وذلك لأن الاحتياط في الأنساب مطلوب، وهو في جانب الإثبات آكد من جانب النفي، قال الشيرازي -رحمه الله- في المهذب: النسب يحتاط لإثباته، ولا يحتاط لنفيه؛ ولهذا إذا أتت بولد يمكن أن يكون منه، ويمكن ألا يكون منه؛ ألحقناه به احتياطًا لإثباته، ولم ننفه احتياطًا لنفيه. انتهى.
وبذلك يتبين لك أنّ ما نذكره في الفتاوى؛ ليس فيه خلط للأنساب؛ ولكنّه احتياط لها، وفق ما جاء في الشرع.
وكذا لا يجوز للزوج نفي ولده لمجرد احتمال كونه ليس منه، قال النووي -رحمه الله- في منهاج الطالبين: ولو علم زناها، واحتمل كون الولد منه، ومن الزنى؛ حرم النفي. انتهى.
وأمّا إذا تيقن الزوج، أو غلب على ظنّه أن الولد ليس منه؛ فقد ذكر أهل العلم أنّ عليه نفيه باللعان؛ وكون هذا الحكم يعارض الأمر بالستر المطلوب شرعًا؛ ليس فيه غضاضة؛ فمفسدة انتساب الولد لغير أبيه؛ أعظم من مفسدة هتك الستر، وراجع الفتوى: 167735.
وأمّا نصيحتنا للزوج إذا تابت زوجته من الزنى أن يمسكها، ولا يطلّقها؛ فهي موافقة لأحكام الشرع، ومقاصده؛ فالتوبة تمحو ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ... وهي قبل التوبة في حكم الزنى، فإذا تابت زال ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وقوله: التوبة تمحو الحوبة. انتهى.
وكون هذا الأمر تنفر منه طباع كثير من الناس؛ لا يقتضي منعه، أو كراهيته؛ فالعبرة بأدلة الشرع، ومقاصده، قال الغزالي -رحمه الله- في الإحياء: ... فالجواب أن الحق قد يكون شنيعًا، وأن الباطل قد يكون مستحسنًا بالطباع، والمتبع الدليل دون نفرة الأوهام، والخيالات. انتهى.
وأمّا كيفية معرفة الزوج بتوبة زوجته؛ فتكون بطمأنينة قلبه إلى صدقها في التوبة، حسب ما يظهر من حالها، جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية -رحمه الله-: وبالجملة: لا بد أن يغلب على قلبه صدق توبتها. انتهى.
فإن ظهر له بعد ذلك منها ريبة؛ فله أن يطلّقها.
ولا ريب في كون الزنى من أفحش الذنوب، وليس في فتاونا ما يهوّن من خطره -كما ذكرت-، وإنما فيها التنبيه على شناعته وقبحه شرعًا، وانظر على سبيل المثال الفتاوى: 110741، 104648، 133064، 179365، 417103.
والله أعلم.