الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الميت لو ترك جمعا من البنات ــ اثنتين فأكثر ــ لا ذكر معهن، فإن لهن الثلثين، لقول الله تعالى في الجمع من البنات: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ. {النساء:11}.
وثبت في السنة أن الاثنتين من البنات تأخذان الثلثين ـ أيضا ـ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى بنتي سعد بن الربيع الثلثين. والحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن للأنثيين من البنات الثلثين. اهــ.
ثم إذا كان مع البنات بنات ابنٍ ــ واحدة أو أكثر ــ ولا يوجد ابن ابن ولو أنزل منهن، فإن بنات الابن ليس لهن شيء من التركة، لأن البنات الأعلى منهن درجة قد استغرقن الثلثين، فلم يبق لهن شيء، ودليل هذا التفصيل هو الإجماع، ولو وجد ابن ابن مع بنات الابن ــ في درجتهن أو أنزل منهن ــ فإنهن يرثن معه الباقي ـ تعصيبا ـ للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا قول عامة أهل العلم؛ إلا ابن مسعود فإنه أسقط بنات الابن في هذه الحال أيضا وجعل الباقي لابن الابن، قال ابن قدامة في المغني: وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ بَنَاتِ الصُّلْبِ مَتَى اسْتَكْمَلْنَ الثُّلُثَيْنِ، سَقَطَ بَنَاتُ الِابْنِ، مَا لَمْ يَكُنْ بِإِزَائِهِنَّ، أَوْ أَسْفَلِ مِنْهُنَّ ذَكَرٌ يَعْصِبُهُنَّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْرِضْ لِلْأَوْلَادِ إذَا كَانُوا نِسَاءً إلَّا الثُّلُثَيْنِ، قَلِيلَاتٍ كُنَّ أَوْ كَثِيرَاتٍ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَخْرُجْنَ عَنْ كَوْنِهِنَّ نِسَاءً مِن الْأَوْلَادِ، وَقَدْ ذَهَبَ الثُّلُثَانِ لِوَلَدِ الصُّلْبِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُنَّ شَيْءٌ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُشَارِكْنَ بَنَاتِ الصُّلْبِ؛ لِأَنَّهُنَّ دُونَ دَرَجَتِهِنَّ، فَإِنْ كَانَ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ ابْنٌ فِي دَرَجَتِهِنَّ، كَأَخِيهِنَّ، أَوْ ابْنِ عَمِّهِنَّ، أَوْ أَنْزَلَ مِنْهُنَّ كَابْنِ أَخِيهِنَّ، أَوْ ابْنِ ابْنِ عَمِّهِنَّ، أَوْ ابْنِ ابْنِ ابْنِ عَمِّهِنَّ، عَصَبَهُنَّ فِي الْبَاقِي، فَجُعِلَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَبِهِ قَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ إلَّا ابْنَ مَسْعُودٍ وَمَنْ تَبِعَهُ؛ فَإِنَّهُ خَالَفَ الصَّحَابَةَ فِي سِتِّ مَسَائِلَ مِنْ الْفَرَائِضِ، هَذِهِ إحْدَاهُنَّ، فَجَعَلَ الْبَاقِيَ لِلذَّكَرِ دُونَ أَخَوَاتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. اهــ.
والله أعلم.