الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن الله -تعالى- لا يسأل عما يفعل؛ لكمال حكمته وعدله، وأنه -تعالى- لا يظلم الناس شيئا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون.
واعلم كذلك أن تضييق الرزق ليس علامة على البغض، كما أن بسطه ليس علامة على الإكرام، بل الله يفعل ما تقتضيه الحكمة وإن خفيت تلك الحكمة على العباد، قال جل اسمه: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا{الفجر: 15-17}. أي ليس الأمر كما تصورتم وزعمتم.
واعلم كذلك أن الله -تعالى- قد يبتلي العبد ببعض المصائب بسبب ذنوبه وتقصيره، كما قال تقدس اسمه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30}.
فإذا تقررت لك هذه الحقائق، فعليك أن تلزم طاعة الله -تعالى- على أي حال، وتوقن أنك عبد لله في السراء والضراء، فتقوم بواجب العبودية على وجهه ما أمكن.
فالزم الدعاء، وسؤال الله -تعالى- أن يغير حالك إلى أحسن حال، وأن يرزقك خير الدنيا والآخرة؛ فإن خزائن السماوات والأرض بيديه سبحانه.
وعليك كذلك أن تتفكر في نعم الله عليك، وما أكثرها، وتتأمل في منحه ومنعه غيرك، فإن ما أعطاك الله إياه أضعاف أضعاف ما سلبك، وله الحمد.
فانظر في الدنيا إلى من هو دونك، واعلم أن من المبتلين ولا شك، من ابتلي بأشد بمراحل مما ابتليت به.
فهون على نفسك، وارض عن ربك حتى يرضى الله -تعالى- عنك، وسله من واسع فضله؛ فإنه جواد كريم.
والله أعلم.