الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالقائلون بوجوب الغسل لانتقال المني، هم فقهاء الحنابلة.
ومذهبهم أنه إذا اغتسل لانتقاله، ثم خرج؛ فلا غسل عليه، وكذا إذا خرج في أثناء غسله؛ فلا يعيد غسل ما مضى، قال البهوتي في شرح الإقناع: وَإِنْ أَحَسَّ رَجُلٌ، أَوْ امْرَأَةٌ بِانْتِقَالِ الْمَنِيِّ، فَحَبَسَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ؛ وَجَبَ الْغُسْلُ، كَخُرُوجِهِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَصْلُهَا الْبُعْدُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْجَارِ الْجُنُبِ {النساء:36} أَيْ: الْبَعِيدِ، وَمَعَ الِانْتِقَالِ قَدْ بَاعَدَ الْمَاءُ مَحَلَّهُ؛ فَصَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْجُنُبِ، وَإِنَاطَةً لِلْحُكْمِ بِالشَّهْوَةِ، وَتَعْلِيقًا لَهُ عَلَى الْمَظِنَّةِ؛ إذْ بَعْدَ انْتِقَالِهِ يَبْعُدُ عَدَمُ خُرُوجِهِ، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ يَرْجِعُ...
فَإِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ بَعْدَ الْغُسْلِ مِنْ انْتِقَالِهِ؛ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ. أَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ بَعْدَ غُسْلِهِ مِنْ جِمَاعٍ لَمْ يُنْزِلْ فِيهِ، بِغَيْرِ شَهْوَةٍ؛ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ. أَوْ خَرَجَتْ بَقِيَّةُ مَنِيٍّ، اغْتَسَلَ لَهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ؛ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْجُنُبِ يَخْرُجُ مِنْهُ الشَّيْءُ بَعْدَ الْغُسْلِ؟ قَالَ: يَتَوَضَّأُ. وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّهُ مَنِيٌّ وَاحِدٌ؛ فَأَوْجَبَ غُسْلًا وَاحِدًا، كَمَا لَوْ خَرَجَ دَفْقَةً وَاحِدَةً، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ؛ أَشْبَهَ الْخَارِجَ لِبَرْدٍ، وَبِهِ عَلَّلَ أَحْمَدُ، قَالَ: لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مَاضِيَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدَثٌ، أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ الْوُضُوءُ. انتهى.
وبه تعلم أن صورة انتقال المنيّ المسؤول عنها عند فقهاء الحنابلة، مساوية لما إذا خرج بقية منيّ اغتسل له، ولا فرق بينهما عند فقهاء الحنابلة، فمن قلّدهم، وعمل بقولهم؛ فلا حرج عليه ـ إن شاء الله -.
والله أعلم.