الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك، وأن يرزقك الذرية الطيبة.
وبخصوص قولك: (وأعاني من أن لديّ خصية واحدة، وهناك وسواس يقول لي بأني لن أنجب، وغدًا سيضحك الناس مني على عيبي، وأنا في هَمٍّ من هذا، وإلى الله المشتكى.) فينبغي لك الإعراض عن هذه الوساوس، وأن تصبر على ما ابتليت به، وأن تبذل الأسباب المباحة في العلاج.
وأما الناس: فما يدريهم بمثل هذا العيب الخفي؟ ولا تظن أن الخلق مشغولون بك لهذه الدرجة، حتى يكتشفوا عيوبك الخفية، ويتحدثوا عنها! وراجع في بيان ما يعين على الرضا بقضاء الله، واجتناب السخط والجزع، الفتويين: 409045 - 126361.
وأما قولك: (كيف أكون مجاب الدعوة) فإن للدعاء آدابا، الأخذ بها عند الدعاء من أهم أسباب الاستجابة.
قال ابن القيم في الداء والدواء: وإذا جمع مع الدعاء حضور القلب، وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة، وهي:
الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة من ذلك اليوم، وآخر ساعة بعد العصر.
وصادف خشوعا في القلب، وانكسارا بين يدي الرب، وذلا له، وتضرعا، ورقة. واستقبل الداعي القبلة. وكان على طهارة. ورفع يديه إلى الله. وبدأ بحمد الله والثناء عليه. ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار. ثم دخل على الله، وألح عليه في المسألة، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة. وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده. وقدم بين يدي دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا. اهـ.
وكذلك هناك موانع لإجابة الدعاء يتعين عليك اجتنابها حتى يجاب دعاؤك.
قال ابن القيم في الداء والدواء: الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف أثره عنه، إما لضعفه في نفسه -بأن يكون دعاء لا يحبه الله، لما فيه من العدوان-، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرخو جدا، فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا، وإما لحصول المانع من الإجابة: من أكل الحرام، والظلم، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو، وغلبتها عليها. كما في مستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه» فهذا دواء نافع مزيل للداء، ولكن غفلة القلب عن الله تبطل قوته، وكذلك أكل الحرام يبطل قوته ويضعفها. كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «يا أيها الناس، إن الله طيب، لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: 51] وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟». ومن الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء عليه: أن يستعجل العبد، ويستبطئ الإجابة، فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذرا، أو غرس غرسا، فجعل يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله. وفي البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي» .اهـ.
واعلم أن استجابة الدعاء لا تعني إعطاء الداعي عين ما سأل، أو أن يجاب في الوقت الذي عينه في دعائه، بل استجابة الدعاء تكون بإحدى ثلاث وردت في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذًا نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد، وصححه الحاكم.
قال ملا قاري في مرقاة المفاتيح: الإجابة على أنواع:
منها: تحصيل عين المطلوب في الوقت المطلوب.
ومنها: وجوده في وقت آخر لحكمة اقتضت تأخيره.
ومنها: دفع شر بدله، أو إعطاء خير آخر خير من مطلوبه.
ومنها: ادخاره ليوم يكون أحوج إلى ثوابه. اهـ.
وأما قولك: ( وأنا أدعو الله وأقول: يا رب ارزقني بتوأم أسميه على اسم الرسول، واجعلهم يا رب من الصالحين. هل يجوز هذا الدعاء؟ وأحيانا أقول: يا رب ارزقني من صلبي من يعبدك ) فلا محذور في هذا الدعاء.
وأما قولك: (وقلت: ربي أرني كيف تجيب الدعاء. فهل هذا الدعاء يجوز؟) فخير من هذا أن تدعو الله أن يجيب دعاءك، وأن يؤتيك سؤلك.
والله أعلم.