الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس للأمّ أن تظلم أحدًا من أولادها -ذكورًا وإناثًا- بمنعه من حقّه في الميراث، وليس لها أن تُجبِرهم، أو تُكرِههم عن التنازل عنه؛ فالله تعالى أعطى كل ذي حقّ حقّه، والأمّ كغيرها من الناس يحرم عليها الظلم، وتأثم به؛ فكونها أمًّا هذا لا يعني أن لها الحقّ في ظلم أولادها، أو أخذ حقّهم في الميراث.
ولا يأثم الورثة إذا رفعوا القضية إلى المحكمة، ولا يعدّ هذا عقوقًا، فقد تحاكم صحابيّ وابنه عند النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعدّه عقوقًا، فقد روى البخاري في صحيحه، عن مَعْنَ بْنَ يَزِيدَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلَيَّ، فَأَنْكَحَنِي، وَخَاصَمْتُ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي المَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: وَاللهِ، مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ.
قال الحافظ في الفتح: وَفِيهِ جَوَازُ التَّحَاكُمِ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ عُقُوقًا. اهـ.
فاللجوء للقضاء لاستيفاء الحقوق، لا يعدّ من العقوق، ولا من قطيعة الرحم.
والله أعلم.