الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على هذا الدعاء مرفوعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، بعد ما تيسر لنا من البحث عنه في مظانه.
ولكنه روي موقوفا على الحسن بن علي -رضي الله عنهما- كما في تاريخ دمشق لابن عساكر بسنده: أن الحسن -رضي الله عنه- "رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه، فقال له: قل: "قل اللهم اقذف في قلبي رجاك، واقطع رجائي عن من سواك، حتى لا أرجو أحدا غيرك.
اللهم وما ضعفت عنه قوتي، وقصر عنه عملي ولم تنته إليه رغبتي، ولم تبلغه مسألتي، ولم يجْرِ على لساني مما أعطيت أحدا من الأولين والآخرين من اليقين، فخصني به يا رب العالمين،... قال الحسن: فانتبهت وقد حفظت الدعاء، فكنت أدعو به". اهـ.
ومعلوم عند أهل العلم أن تاريخ ابن عساكر من مظان الأحاديث الضعيفة، كما قال العلوي في طلعة الأنوار:
وما نُمي لِعقْ وعَدْ وخَطْ وكِر ومسندِ الفردوس ضعفه شُهر
ورى الترمذي في سننه، وأبو نعيم في حلية الأولياء، ما يشبه معنى بعض جُمَلِه، في دعاء طويل مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ولفظه في الترمذي عن ابن عباس قَالَ: سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لَيْلَةً حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ: اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بِهَا قَلْبِي، وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِي، وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبِي، وَتَرْفَعُ بِهَا شاهدي، وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي، وَتُلْهِمُنِي بِهَا رَشَدِي، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي، وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ. اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إِيمَانًا وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْر، ورحمة أَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْفَوْزَ فِي الْعَطَاء- وَيُرْوَى فِي الْقَضَاءِ- وَنُزُلَ الشُّهَدَاءِ، وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَالنَّصْرَ عَلَى الأَعْدَاءِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أُنْزِلُ بِكَ حَاجَتِي وَإِنْ قَصَّرَ رَأْيِي، وَضَعُفَ عَمَلِي. افْتَقَرْتُ إِلَى رَحْمَتِكَ، فَأَسْأَلُكَ يَا قَاضِي الأُمُورِ، وَيَا شَافِي الصُّدُورِ كَمَا تُجِيرُ بَيْنَ الْبُحُورِ أَنْ تُجِيرَنِي مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، وَمِنْ دَعْوَةِ الثُّبُورِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقُبُورِ. اللَّهُمَّ مَا قَصَّرَ عَنْهُ رَأْيِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ نِيَّتِي، وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَسْأَلَتِي مِنْ خَيْرٍ وَعَدْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ خَيْرٍ أَنْتَ مُعْطِيهِ أَحَدًا مِنْ عِبَادِكَ، فَإِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ فِيهِ وَأَسْأَلُكَهُ بِرَحْمَتِكَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. اللَّهُمَّ ذَا الْحَبْلِ الشَّدِيدِ وَالأَمْرِ الرَّشِيدِ، أَسْأَلُكَ الأَمْنَ يَوْمَ الْوَعِيدِ، وَالْجَنَّةَ يَوْمَ الْخُلُودِ مَعَ الْمُقَرَّبِينَ الشُّهُودِ الرُّكَّعِ السُّجُودِ، الْمُوفِينَ بِالْعُهُودِ إِنَّكَ رَحِيمٌ وَدُودٌ، وَأَنْتَ تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هَادِينَ مُهْتَدِينَ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ، سِلْمًا لأَوْلِيَائِكَ، وَعَدُوًّا لأَعْدَائِكَ. نُحِبُّ بِحُبِّكَ مَنْ أَحَبَّكَ، وَنُعَادِي بِعَدَاوَتِكَ مَنْ خَالَفَكَ, اللَّهُمَّ هَذَا الدُّعَاءُ وَعَلَيْكَ الاِسْتِجَابَةُ، وَهَذَا الْجَهْدُ وَعَلَيْكَ التُّكْلاَنُ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي نُورًا فِي قَبْرِي، وَنُورًا فِي قَلْبِي، وَنُورًا مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَنُورًا مِنْ خَلْفِي ... " وهذا الحديث قال عنه الترمذي: هذا حديث غريب، وقال عنه الألباني: ضعيف الإسناد.
ولكن لا مانع من الدعاء به ولو كان ضعيفا؛ لأن ألفاظ الدعاء ليست توقيفية، ولأن العمل بالضعيف جائز عند كثير من أهل العلم في فضائل الأعمال.
والله أعلم.