الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الهجر وسيلة من وسائل الإصلاح والتقويم، وليس غاية مقصودة في ذاتها، فإن كان لا يترتب على الهجر مصلحة، بل ربما أدى إلى مفسدة؛ كزيادة النفور من التدين والمتدينين، أو غير ذلك؛ لم يكن الهجر مشروعا حينئذ، بل المشروع حينئذ مع النصح والدعوة برفق وحكمة هو التأليف.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم. فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله. فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا. وإن كان لا المهجور، ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر. والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتألف قوما، ويهجر آخرين. كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرا من أكثر المؤلفة قلوبهم لما كان أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم، فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير، فكان في هجرهم عز الدين، وتطهيرهم من ذنوبهم ... وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه. اهـ.
والظاهر من السؤال أن المقاطعة كانت تصرفا خاطئا لم تنجم عنه مصلحة شرعية، والمشاهد أيضا أن كثيرا من الناس في الحياة المعاصرة قَلَّ أن تجدي المقاطعة نفعا في إصلاحهم، بل تؤدي إلى مفاسد ومحاذير، لذلك فالأولى سلوك سبيل الرفق.
لا سيما أن الاصل في الدعوة هو الرفق واللين، والترغيب والتأليف، وليس الشدة والهجر والتعنيف، وانظر الفتويين: 55729، 198373.
والله أعلم.