الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالصلوات الفائتة تقضى في أي وقت -سواء قبل دخول وقت الحاضرة، أو في أثنائها أو بعدها، وفي وقت النهي عن التطوع-.
قال ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة: وَمَنْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ كَثِيرَةٌ، صَلَّاهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، وَكَيْفَمَا تَيَسَّرَ لَهُ. انتهى.
فيجب قضاء الفوائت فورا، ومعنى الفورية هنا أن تنشغل بالقضاء على نحو لا يضر ببدنك أو معاشك، فإذا قصرت في ذلك وتركت القضاء لغير ما ذُكر، كنت آثما.
والاقتصار على قضاء الصبح مع الصبح، والظهر مع الظهر، والعصر مع العصر، حاضرة وفائتة واحدة بعدها، يخل بالفور، وهو واجب في قضاء الفوائت حسب الاستطاعة، فلا يكفي عند القدرة أن تقتصر على قضاء صلاة واحدة مع مثيلتها.
قال الحطاب -المالكي- في مواهب الجليل: وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَوْلُهُ: وَكَيْفَمَا تَيَسَّرَ لَهُ، يَعْنِي مِن الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، مَا لَمْ يَخْرُجْ لِحَدِّ التَّفْرِيطِ، وَلَا حَدَّ فِي ذَلِكَ، بَلْ يَجْتَهِدُ بِقَدْرِ اسْتِطَاعَتِهِ. انتهى.
وذكر بعض أهل العلم أن المرء لو صلى في يوم واحد صلاة يومين فائتين، لا يكون مفرطا.
جاء في التاج والإكليل للمواق المالكي: أقل ما لا يسمى به مفرطا، أن يقضي يومين في يوم. انتهى.
وقال الدسوقي -المالكي- في حاشيته: فَيَكْفِي أَنْ يَقْضِيَ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ صَلَاةَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ. وَلَا يَكْفِي قَضَاءُ صَلَاةِ يَوْمٍ فِي يَوْمٍ، إلَّا إذَا خَشِيَ ضَيَاعَ عِيَالِهِ إنْ قَضَى أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ فِي يَوْمٍ. انتهى.
وكونك تصلي في وقت واحد من النهار كالضحى مثلا ما تقدر عليه من الفوائت، فهذا لا حرج فيه.
وأما الترتيب بين الفوائت فلا يجب فيها إذا كثرت. واختلف في اليسير منها هل يجب فيه أم لا؟ وقد فصلنا القول في ذلك، في الفتوى: 96811.
والقول المرجح عندنا، أن الترتيب بين الفوائت ليس بواجب، كما هو قول الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد أيضا.
قال النووي -الشافعي- رحمه الله- في المجموع: المعتمد في المسألة أنها ديون عليه، فلا يجب ترتيبها إلا بدليل ظاهر، وليس لهم دليل ظاهر.
ولأن من صلاهن بغير ترتيب، فقد فعل الصلاة التي أمر بها، فلا يلزمه وصف زائد بغير دليل. انتهى.
والله أعلم.