الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن ما ورد في هذه الآية الكريمة من النهي عن رفع الصوت فوق صوته -صلى الله عليه وسلم-، هو أدب عام، يشمل جميع المؤمنين، كما يشمل النهي عن رفع الصوت عند قراءة حديثه، وسنته، وسيرته، أو عند قبره -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن حرمته ميتا، كحرمته حيًّا، كما قال العلماء. وليس فيه استثناء لشخص معين، سواء كان قريبا، أو غير قريب.
وأما ما جرى له -صلى الله عليه وسلم- مع أم أيمن -رضي الله عنها- فيما رواه مسلم في فَضَائِلِ أُمِّ أَيْمَنَ: عن أنس -رضي الله عنه- أنه قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَنَاوَلَتْهُ إِنَاءً فِيهِ شَرَابٌ، قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَصَادَفَتْهُ صَائِمًا؟ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ، فَجَعَلَتْ تَصْخَبُ عَلَيْهِ.. الحديث.
فهذا من محبتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والحرص على أن يشرب من يدها، ومن باب ما تفعله بعض الأمهات مع أبنائها، وليس فيه إزعاج، ولا أذيَّة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال النووي في شرح مسلم: وَكَانَتْ تَدِلُّ عَلَيْهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِكَوْنِهَا حَضَنَتْهُ، وَرَبَّتْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: أُمُّ أَيْمَنَ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي.
وجاء في فتح المنعم شرح صحيح مسلم لموسى لاشين: وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يزورها، وكانت تدل عليه وترفع صوتها، كما تفعل الأم، وكان يعاملها معاملة الأم، وقد روى البخاري، وأحمد: أن الرجل كان يجعل للنبي -صلى الله عليه وسلم- النخلات، حتى فتحت عليه قريظة، والنضير، فجعل يرد بعد ذلك، فسأله أحدهم أن يرد عليه بعض الذي أخذه -وكان أعطاه لأم أيمن- فأعطاه له، فجاءت أم أيمن، فجعلت تلوح بالثوب، وتقول: كلا، والله، لا يعطيكهن، وقد أعطانيهن فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لك كذا، وكذا، وتقول: كلا، حتى أعطاها عشرة أمثاله.
وحفظ الصحابة مودتها، كما حفظها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكان أبو بكر، وعمر يزورانها بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-.
وللمزيد من الفائدة عن الآية الكريمة انظر الفتوى: 298975.
والله أعلم.