الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه. أما بعد:
فإن مَن أخَّر نية الإحرام بمعنى أنه قد تجاوز الميقات، ولم ينوِ نية الإحرام، ولم يرجع للميقات، فإنه يلزمه دم عن كل عمرة قام بها على ذلك النحو. وراجع في ذلك الفتوى: 57252
والدم المترتب على ترك مجاوزة الميقات هنا واجب على المعتمر نفسه، وليس على والديه؛ لقول الله تعالى: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {الأنعام:164}.
لكن إذا كان الشخص المعتمر عاجزا عن الهدي، فيجزئه صيام عشرة أيام.
قال ابن قدامة في المغني: ويقاس عليه -أيضا- كل دم وجب لترك واجب كدم القران، وترك الإحرام من الميقات. فالواجب فيه ما استيسر من الهدي، فإن لم يجد فصيام عشرة أيام. اهـ باختصار.
والصوم هنا عن كل عمرة لم يحرم فيها من الميقات، فإن كل عمرة نسك مستقل عن غيره، والأصل أن كل من ترك واجبا من نسك، فعليه دمٌ.
قال المقدسي في كتاب "العدة شرح العمدة": (وإن جاوزه (الميقات) غير محرم رجع فأحرم من الميقات، ولا دم عليه؛ لأنه أحرم من الميقات. فإن أحرم من دونه، فعليه دم سواء رجع إلى الميقات، أو لم يرجع) لما روي عن ابن عباس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: «من ترك نسكًا فعليه دم» رواه البيهقي بلفظ: «من نسي من نسكه شيئا، أو تركه؛ فليهرق دما» روي موقوفًا عليه ومرفوعًا، ولأنه أحرم دون الميقات، فوجب عليه الدم وجوبًا مستقرًا، كما لو رجع بعد أن طاف، ولأن الدم وجب بهتك حرمة الميقات حيث أحرم من دونه، وهذا لا يرتفع برجوعه، وإذا أحرم منه فلم يهتكه. اهـ.
مع التنبيه على أن النية ركن من أركان العمرة لا تجزئ من دونها، ومن تركها لم تنعقد عمرته. وهذه النية محلها القلب، ولا يشترط التلفظ بها. وانظر الفتوى: 163699
والله أعلم.