الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم تبيني لنا مقدار الضرر الذي كنت تخشينه من البقاء مع أمك، وهل يمكن تفاديه أم لا؟ وما مدى المفسدة المترتبة على الانتقال عنها؟ وكل ذلك مما قد يؤثر في الحكم.
وعلى كل، فلا يباح لك هجرها بالكلية؛ فحقّ الوالدين عظيم، ولا يسقط حقّهما بظلمهما أو إساءتهما إلى ولدهما، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}.
وعقد البخاري في كتابه الأدب المفرد، بابًا أسماه: باب بر والديه وإن ظلما ـ وأورد تحته أثرًا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ما من مسلم له والدان مسلمان، يُصبح إليهما محتسبًا، إلا فتح له الله بابين ـ يعني: من الجنة ـ وإن كان واحدًا فواحد، وإن أغضب أحدهما، لم يرضَ الله عنه حتى يرضى عنه، قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه. انتهى.
ولا ريب في كون الأمّ حقها آكد، وبرها أوجب.
وعليه؛ فيحرم عليك هجر أمّك. والواجب عليك المبادرة ببرها وصلتها بما لا يترتب عليه ضرر.
فالبر والصلة باب واسع ليس مقصورا على الإقامة أو الزيارة، ولكنه يحصل بكل أنواع الإحسان حسب ما يعد في العرف صلة. كالاتصال بالهاتف ونحوه، والمراسلة والهدية ونحوها.
جاء في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ إيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِن الْخَيْرِ، وَدَفْعُ مَا أَمْكَنَ مِن الشَّرِّ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ. انتهى.
وراجعي الفتوى: 387106
والله أعلم.