آفات الترفع على الناس بالنسب والعرق، وسبل علاجها

27-2-2023 | إسلام ويب

السؤال:
أعيش في مجتمع مسلم متعدد الأعراق، وللأسف يتمايز الناس فيه وَفقًا للعِرق الذي ينحدرون منه، ونشأ عن ذلك انزواء أبنائي عن الناس، وكرهوا الذهاب إلى المدرسة، حتى لا يتعرضوا للحرج من زملائهم، فما السبيل لمواصلة الحياة بصورة طبيعية في هذا المجتمع؟ وما توجيهكم لأولئك الذين يترفعون على غيرهم لمجرد العرق، أو النسب؟.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الشرع الإسلامي الحنيف قد جاء بالتنفير من الافتخار، والترفع على الناس بالأنساب، والأحساب، والأعراق، وبين أن ذلك مما أذهبه الله عن هذه الأمة من آثار الجاهلية، والنصوص التي تجلي ذلك وفيرة كثيرة، ففي المسند، والسنن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ، إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ ـ وَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، ‌مُؤْمِنٌ ‌تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ.

كما بيَّن سبحانه أن ميزان التفاضل القسطاس هو الإيمان والتقوى، وأن الكرامة عنده لا تكون إلا بذلك، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13}.

والنسب بلا عمل صالح، لا ينفع صاحبه عند الله شيئا، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه.

ويكفي المرء شرا وخبثا أن يقع في أوحال احتقار المسلمين، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه.

والترفع على الناس بالعرق والنسب من أخلاق الجاهلية الجهلاء، ففي الصحيحين من حديث أبي ذر، قال: كان بيني وبين رجل كلام، وكانت أمه أعجمية، فنلت منها، فذكرني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: أساببت فلانا؟ قلت: نعم، قال: أفنلت من أمه؟ قلت: نعم، قال: إنك امرؤ فيك جاهلية

وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: أما الأمور الخارجية عن نفس الإيمان والتقوى، فلا يحصل بها فضيلة عند الله تعالى، وإنما يحصل بها الفضيلة عند الله إذا كانت معينة على ذلك، فإنها من باب الوسائل لا المقاصد، كالمال والسلطان، والقوة، والصحة، ونحو ذلك، فإن هذه الأمور لا يفضل بها الرجل عند الله إلا إذا أعانته على طاعة الله بحسب ما يعينه، قال الله تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم {سورة الحجرات: 13}... فلهذا كان أكرم الخلق عنده أتقاهم، فإذا قدر تماثل اثنين عنده في التقوى، تماثلا في الدرجة، وإن كان أبو أحدهما، أو ابنه أفضل من أبي الآخر، أو ابنه، لكن إن حصل له بسبب نسبه زيادة في التقوى كان أفضل لزيادة تقواه، ولهذا لم يثن الله على أحد في القرآن بنسبه أصلا: لا على ولد نبي، ولا على أبي نبي، وإنما أثنى على الناس بإيمانهم وأعمالهم، وإذا ذكر صنفا وأثنى عليهم، فلما فيهم من الإيمان والعمل، لا لمجرد النسب، ولما ذكر الأنبياء - ذكرهم في الأنعام - وهم ثمانية عشر، قال: ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم {سورة الأنعام: 87} فبهذا حصلت الفضيلة باجتبائه سبحانه وتعالى، وهدايته إياهم إلى صراط مستقيم، لا بنفس القرابة، وقد يوجب النسب حقوقا، ويوجب لأجله حقوقا، ويعلق فيه أحكاما من الإيجاب، والتحريم، والإباحة، لكن الثواب والعقاب، والوعد، والوعيد، على الأعمال، لا على الأنساب. اهـ.

فالتوجيه للعنصريين المترفعين على عباد الله هو:

1- استشعار موقف الشرع الذام والمنفر عن الترفع على الناس بالنسب والعرق.

2- وأن الترفع بالأعراق والأنساب هو في ميزان الشرع ضعة وانحطاط في الدنيا والآخرة.

3- وأن التكبر على الناس بالنسب من شُعَب الظلم، ويفضي إلى عدم المبالاة بحقوق الناس، واستسهال الاعتداء على أموالهم، وأعراضهم، وأجسادهم -كما هو مشاهد معروف- ولا تخفى سوء عاقبة الظالمين، وما يحل بهم من العقوبة المعجلة في الدنيا، مع ما ينتظرهم في الآخرة، ففي سنن أبي دواد، والترمذي، عن أبي بكرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم.  قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
 3- أن العنصرية سبب لانقسام المجتمع، وتفرقه، وانخرام وحدته، وربما أدى إلى الاقتتال والاحتراب بين أفراد المجتمع.

وأما من يعاني من ترفع الناس عليه فالسبيل لمقاومة ذلك هو:

1- أن يرسخ في نفسه المعيار الحقيقي للتفاضل -وهو تقوى الله سبحانه، وصالح العمل، لا النسب، ولا اللون- فمتى استقر هذا في وجدانه، فإنه يمتلئ ثقة بنفسه، ويعتز -بلا فخر، ولا خيلاء- بالإسلام، وما منَّ الله به عليه من أخلاق وقيم فاضلة، فلا يهتز ولا يستفز، ولا يحقر نفسه عندما يتعرض للعنصرية.

2- التسلح بالصبر والجلد، والبعد عن الجزع والانكسار.

3- الاستعانة بالله سبحانه، وسؤاله كفاية شر كل ذي شر.

4- وعظ العنصريين وتذكيرهم بالله، وأن ما يصنعونه من القبائح والرذائل التي ينهى عنها الإسلام، ويبغضها الله سبحانه، ويمقت أهلها، وأما إن كان العنصري كافرا، فعنصريته غير مستغربة، فليس بعد الكفر ذنب!

5- الحزم مع المترفعين ومدافعة عنصريتهم بقدر الإمكان، ولو أدى الأمر إلى الاستعانة بسلطة النظام والقانون لردع المتطاولين، وكف صولتهم.

والله أعلم.

www.islamweb.net