الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان المصنع المذكور قد بيع بثمن مثله فالبيع نافذ وصحيح، ولا عبرة بالخسارة الحاصلة، لأن الخسارة في البيع أمر وارد، أما إذا كان المصنع قد بيع بأقل من ثمن المثل، فالبيع غير صحيح، قال النووي في المنهاج: وليبع بحضرة المفلس وغرمائه كل شيء في سوقه، بثمن مثله حالا من نقد البلد. اهـ.
قال المحلي في شرحه للمنهاج: الأمر فيه للوجوب. اهـ.
وقال المرداوي في الإنصاف: ويبيع كل شيء في سوقه بشرط أن يبيعه بثمن مثله المستقر في وقته أو أكثر، ذكره الشيخ تقي الدين وغيره. اهـ.
ودلت نصوص المالكية على ذلك، حيث أوجبوا التأني في بيع العقار، وعدم التأني في بيع الحيوان، لما في ذلك من مصلحة للمفلس، قال الشيخ عليش في منح الجليل عن مالك رضي الله عنه: يُتأنى في الدور والأرضين الشهر والشهرين، وفي الحيوان والعروض يسيرا. اهـ.
وقال : وكون الحيوان لا يتأنى به إلا اليسير، لأجل كلفة النفقة. اهـ.
وبناء على هذا، يتقرر كون البيع صحيحا أو غير صحيح على ما قدمنا ذكره مفصلا، فإن كان أقل من ثمن المثل لم يصح البيع، وفي هذه الحالة يحق للوالد الطعن في الحكم، يضاف إلى هذا أن البيع قد تم خلاف مصلحة المفلس، لأنه بيع بالتقسيط أدى إلى ضرره بحبس العين المرهونة في مقابل الدين، وهذا مما يؤكد أحقية الوالد في الطعن في الحكم وطلب إعادة النظر في القضية، علما بأن أبا حنيفة لا يجبر بيع عرض وعقار المدين جبرا عنه، قال في تبيين الحقائق: لا يبيع القاضي عرض المدين وعقاره، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله. اهـ.
والواضح من السؤال أن الأرض جميعها قد بيعت لعمك مع جميع ما يتبع المصنع المذكور، ولم يرد ذكر السوق في العقد، وهذا مما اختلف فيه العلماء هل يدخل هذا البناء في عقد بيع الأرض أم لا؟
قال ابن نجيم في البحر الرائق:
(ويدخل البناء والشجر في بيع الأرض بلا ذكر) لكونه متصلا بها للقرار فيدخل تبعا. اهـ.
وقال المواق في التاج والإكليل: (تناول البناء والشجر الأرض وتناولتهما لا الزرع والبذر) قال ابن شاس: الأرض يندرج تحتها البناء كما تندرج هي أيضا تحت البناء. اهـ.
وقال الشيرازي في المهذب: إذا باع أرضا وفيها بناء أو غراس نظرت فإن قال: بعتك هذه الأرض بحقوقها دخل فيها البناء والغراس، لأنه من حقوقها، وإن لم يقل: بحقوقها، فقد قال في البيع: يدخل، وقال في الرهن: لا يدخل، واختلف أصحابنا فيه على ثلاث طرق: فمنهم من قال: لا يدخل في الجميع، لأن الأرض ليست بعبارة عن الغراس والبناء، وتأول قوله في البيع عليه إذا قال: بحقوقها، ومنهم من نقل جوابه في الرهن إلى البيع، وجوابه في البيع إلى الرهن وجعلها على قولين: أحدهما: لا يدخل في الجميع، لأن الأرض اسم للعرصة دون ما فيها من الغراس والبناء، والثاني: يدخل لأنه متصل بها، فدخل في العقد عليها كسائر أجزاء الأرض، ومنهم من قال في البيع يدخل، وفي الرهن لا يدخل، لأن البيع عقد قوي يزيل الملك، فدخل فيه الغراس والبناء، والرهن عقد ضعيف لا يزيل الملك، فلم يدخل فيه الغراس والبناء.
قال المرداوي في الإنصاف: وإن باع أرضا بحقوقها دخل غراسها وبناؤها في البيع بلا نزاع، وإن لم يقل: بحقوقها، فعلى وجهين وأطلقهما في الهداية، والمذهب، ومسبوك الذهب، والخلاصة، والكافي، والمغني، والتلخيص، والبلغة، والشرح، وشرح ابن منجي، والنظم، والفائق، والحاويين، وإدراك الغاية، أحدهما: يدخل وهو المذهب، جزم به في الوجيز، وتذكرة ابن عبدوس والمنور، ومنتخب الأزجي، وصححه في التصحيح، وقدمه في المحرر، والهادي، والفروع، والرعايتين، والوجه الثاني: لا يدخل، وللبائع تبقيته. اهـ.
والراجح من ذلك هو دخول البناء في الأرض إذا بيعت وهو قول الجمهور على ما نقلناه سابقا مشفوعا بأدلته، ولأن العقارات لا يُهمل صاحبها ذكرها عند البيع، مما يدل على أن السكوت عنها دليل على دخولها فيه، ولأن في إثبات أحقية البائع بها حصول الاضطراب في المعاملات وعدم استقرارها.
هذا إذا كانت غير مذكورة، أما إذا كان المقصود من جملة (مع كامل المباني) كل ما تشمله الأرض من مباني، فلا حاجة بنا إلى التفصيل السابق، لأنها دخلت فيه نصا.
علما بأن المسائل الخلافية يرتفع الخلاف فيها بقضاء القاضي الشرعي بناء على اختياره.
والله أعلم.