الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس في الآية الكريمة إشكال يَرِدُ على جواز التوسل إلى الله بدعاء الصالحين، فهو توسل إلى الله بسبب مشروع، جعله الله سببا لحصول المطلوب المدعو به، والأدلة على ذلك كثيرة -سوى الحديث الذي ذكرته- ففي صحيح مسلم عن صفوان بن عبد الله بن صفوان -وكانت تحته الدرداء- قال: قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده، ووجدت أم الدرداء، فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت: نعم، قالت: فادع الله لنا بخير، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل، قال: فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك يرويه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وفي صحيح البخاري: عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هل تنصرون، وترزقون إلا بضعفائكم ـ وترجم عليه: باب من استعان بالضعفاء، والصالحين في الحرب- يعني: بدعائهم.
وفي صحيح مسلم: عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة.
جاء في نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار للعيني: فيه: جواز الاستعانة بدعاء الصالحين، ولاسيّما في مظانّ الإجابة.
وفي صحيح البخاري: عن أنس رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب: كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون.
وقال النووي في الأذكار: باب استحباب طلب الدعاءِ من أهل الفضلِ وإن كان الطالبُ أفضل من المطلوبِ منه، والدعاء في المواضعِ الشريفة، اعلم أن الأحاديث في هذا الباب أكثرُ من أن تُحصر، وهو مجمعٌ عليه، ومن أدلّ ما يستدلّ به ما روينا في كتابي أبي داود، والترمذي، عن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: استأذنتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذنَ وقال: لا تَنْسَنا يا أُخَيَّ مِنْ دُعائِكَ- فقال كلمة ما يسرُّني أن لي بها الدنيا، وفي رواية قال: أشْرِكَنا يا أُخَيُّ في دُعائِكَ- قال الترمذي: حديث حسن صحيح. انتهى.
وأما قول الأعمى في الحديث: أتوجه بك ـ فإن ذكره كاف الخطاب هنا، ليحصل تمام الاستحضار، كما يقال في التشهد: السلام عليك أيها النبي، وهذا لا إشكال فيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: وقوله: يا محمد، يا نبي الله، هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب، فيخاطب لشهوده بالقلب، كما يقول المصلي: السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله، وبركاته، والإنسان يفعل مثل هذا كثيرا، يخاطب من يتصوره في نفسه، وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب. اهـ.
والله أعلم.