الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي تقصده هو ما أخرجه ابن ماجه في سننه عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله -عز وجل- هباء منثورا، قال ثوبان: يا رسول الله، صِفْهم لنا، جلِّهم لنا، أن لا نكون منهم، ونحن لا نعلم. قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها.
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة، في زوائد ابن ماجه: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات.
وقد قال الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة الساسة والخمسون بعد الثلاث مائة: إظهار زي الصالحين في الملأ، وانتهاك المحارم، ولو صغائر في الخلوة-
ثم ذكر حديث ثوبان-... لأن من كان دأبه إظهار الحسن، وإسرار القبيح، يعظم ضرره، وإغواؤه للمسلمين؛ لانحلال ربقة التقوى، والخوف من عنقه. اهـ.
فالحديث محمول على من لا يستحي من الله، ولا يعظم حدوده، وإنما يراقب الناس، ويراعي البشر. فإن وجد بين الناس أظهر الصلاح، وتعظيم الحدود، والحرمات، وإن خلى بنفسه سرعان ما ينتهكها، ومن كان هذا حاله فهو بأسوإ المنزلتين، فإن كان يرى أن الله غير مطلع عليه فهذا شرك، وإن كان يرى أن الله مطلع عليه فكيف يجترئ على انتهاك حرماته، ذكر الحافظ ابن رجب في كتابه: جامع العلوم والحكم عن أبي الجلد قال: «أوحى الله تعالى إلى نبيٍّ من الأنبياء: قُلْ لقومك: ما بالكم تسترون الذنوبَ من خلقي، وتُظهرونها لي، إنْ كنتم ترون أني لا أراكم، فأنتم مشركون بي، وإنْ كنتم تَرَونَ أني أراكم فلم جعلتموني أهونَ الناظرين إليكم.» انتهى.
وأما من كان يعمل الطاعات مخلصا لله فيها، وتضعف نفسه أحيانا، فيغلبه هواه، وشيطانه، ويكتم معصيته عن الناس، فنرجو ألا يكون داخلا في هذا الوعيد.
وأما كيف تقي نفسك: فبالاستعانة بالله سبحانه، وسؤاله الهداية، والحفظ من الغواية، والمحافظة على الفرائض، ثم المسارعة في النوافل، والتطوعات، والعناية بطاعات الخلوات، التي لا يعلم بها إلا الله سبحانه، كالقيام لله في دجى الأسحار، وصدقات السر، ونحو ذلك، والاهتمام بتلاوة القرآن، وتفهم معانيه، وتدبر آياته، والحذر من الإصرار على الذنوب، والمبادرة بالتوبة، والرجوع إن زلت قدمك في شيء من المعاصي.
والله أعلم.