الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه الروايات لا تصح. قال الإمام ابن العربي المالكي رحمه الله تعالى: فأما قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم رآها فوقعت في قلبه فباطل، فإنه كان معها في كل وقت وموضع، ولم يكن حينئذ حجاب، فكيف تنشأ معه وينشأ معها ويلحظها في كل ساعة ولا تقع في قلبه إلا إذا كان لها زوج، وقد وهبته نفسها وكرهت غيره فلم تخطر بباله، فكيف يتجدد له هوى لم يكن، حاشا لذلك القلب المطهر من هذه العلاقة الفاسدة، وقد قال الله له: [وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ] (طـه: 131).
والنساء أفتن الزهرات وأنشر الرياحين، فيخالف هذا في المطلقات، فكيف في المنكوحات المحبوسات؟! وقال ابن كثير: ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير ههنا آثارا عن بعض السلف رضي الله عنهم، أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها.
وقال الإمام القرطبي المفسر: فأما ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم هوي زينب امرأة زيد وربما أطلق بعض المجان لفظ عشق، فهذا إنما يصدر عن جاهل بعصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا، أو مستخف بحرمته ..
وقال النحاس: قال بعض العلماء: ليس هذا من النبي صلى الله عليه وسلم خطيئة، ألا ترى أنه لم يؤمر بالتوبة ولا بالاستغفار منه. وقد يكون الشيء ليس بخطيئة إلا أن غيره أحسن منه، وأخفى ذلك في نفسه خشية أن يفتتن الناس.
وقال ابن الجوزي: في زاد المسير: "وتخفي في نفسك": أي تسر وتضمر في قلبك "ما الله مبديه" أي مظهره، وفيه أربعة أقوال:
أحدها: حبها، قاله ابن عباس.
والثاني: عهد عهده الله إليه أن زينب ستكون له زوجة، فلما أتى زيد يشكوها قال له: "أمسك عليك زوجك واتق الله" وأخفى في نفسه ما الله مبديه، قاله علي بن الحسين.
والثالث: إيثاره لطلاقها، قاله قتادة وابن جريج ومقاتل.
والرابع: أن الذي أخفاه إن طلقها زيد تزوجتها، قاله ابن زيد.. وقد ذهب بعض العلماء إلى تنزيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حبها وإيثاره طلاقها، وإن كان ذلك شائعا في التفسير.
والله أعلم.