الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا الأثر الموقوف صحيح الإسناد -كما ذكر بعض أهل العلم-، وأما عنعنة الإمام قتادة بن دعامة السدوسي: فإنه وإن كان متهما بالتدليس، إلا أن صاحبي الصحيحين -البخاري، ومسلم- وغيرهما من المصنفين في الصحاح كابن خزيمة، وابن حبان قد أخرجوا له أحاديث كثيرة، مما عنعن فيه، ولم يصرح بالسماع، مما يدل على اغتفار عنعنة قتادة - ما دام الحديث سالما من الشذوذ، والنكارة-، وذلك لكثرة مروياته.
قال الألباني في كتابه النصيحة: فإنَّ عنعنة قتادة مغتفرةٌ، لِقلَّتها بالنسبة لحفظه، وكثرة حديثه، وقد أشار إلى ذلك الحافظ في ترجمته من مقدمة الفتح بقوله: ربّما دَلَّس؛ وكأنَّه لذلك لم يذكره هو في التقريب بتدليس، وكذلك الذهبي في الكاشف، ونجد في الصحيحين -وغيرهما- أحاديثَ كثيرةً جدًا لقتادة بالعنعنة، حتى ابن حبّان الذي وصفه بالتَّدليس؛ قد أكثر عنه بها، ويحتمل أنَّ ذلك كان منهم، لأنَّه كان -كما قال الحاكم- لا يدلِّس إلّا عن ثقة، كما نقله العلائي في كتابه القيِّم جامع التحصيل.
وأما رواية سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، وكونه من أثبت الناس فيه، فلم نطلع على من ذكر أن لها تأثيرا في قبول عنعنة قتادة، أو ردها، وإنما الذي تؤثر روايته عن المدلسين هو الإمام شعبةُ بن الحجاج، لأنه كان لا يروي عن قتادة -وغيره ممن اتهم بالتدليس- إلا ما يُصرح فيه بالسماع، ففي معرفة السنن والآثار للبيهقي، عن شعبة أنه قال: كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش، وأبي إسحاق، وقتادة.
وفي مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: نا صالح بن أحمد بن حنبل، نا علي بن المديني، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول -وذكر شعبة- قال: سمعته يقول: كنت أتفقد فم قتادة، فإذا قال: سمعت، أو حدثنا، حفظت، وإذا قال حدث فلان تركته.
والله أعلم.