الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالشبهات التي أوردها هذا الشخص حول الآية ليست وليدة هذا الزمان فقد أثارها أهل البدع من قبل، وأجاب عن ذلك العلماء وأئمة التفسير فها هو الإمام القرطبي في تفسيره يرد على هذه الشبهة وكأنه يخاطب صاحبنا فيقول رحمه الله: اعلم أن هذا العدد مثنى وثلاث ورباع لا يدل على إباحة تسع، كما قاله من بعد فهمه للكتاب والسنة، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة، وزعم أن الواو جامعة، وعضد ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم نكح تسعاً، وجمع بينهن في عصمته، والذي صار إلى هذه الجهالة، وقال هذه المقالة الرافضة وبعض أهل الظاهر، فجعلوا مثنى مثل اثنين، وكذلك ثلاث ورباع، وذهب بعض أهل الظاهر أيضاً إلى أقبح منها، فقالوا بإباحة الجمع بين ثمان عشرة، تمسكاً منه بأن العدل في تلك الصيغ يفيد التكرار، والواو للجمع، فجعل مثنى بمعنى اثنين اثنين وكذلك ثلاث ورباع، وهذا كله جهل باللسان والسنة، ومخالفة لإجماع الأمة؛ إذ لم يُسْمَع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع. وأخرج مالك في موطئه، والنسائي والدارقطني في سننهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن أمية الثقفي وقد أسلم وتحته عشر نسوة: اختر منهم أربعاً وفارق سائرهن، وفي كتاب أبي داود عن الحارث بن قيس قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اختر منهن أربعاً. وقال مقاتل: إن قيس بن الحارث كان عنده ثمان نسوة حرائر، فلما نزلت هذه الآية أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق أربعاً ويمسك أربعاً، كذا قال: قيس بن الحارث. والصواب أن ذلك كان حارث بن قيس الأسدي كما ذكر أبو داود، وكذا روى محمد بن الحسن في كتاب السير الكبير: أن ذلك كان حارث بن قيس، وهو المعروف عند الفقهاء، وأما ما أبيح من ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذلك من خصوصياته، على ما يأتي بيانه في الأحزاب.
وأما قولهم: إن الواو جامعة، فقد قيل ذلك، لكن الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات، والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين وثلاثة وأربعة، وكذلك تستقبح ممن يقول: أعط فلاناً أربعة ستة ثمانية، ولا يقول ثمانية عشر، وإنما الواو في هذا الموضع بدل، أي انكحوا ثلاثاً بدلاً من مثنى، ورباع بدلاً من ثلاث، ولذلك عطف بالواو ولم يعطف بأو، ولو جاء بأو لجاز ألا يكون لصاحب المثنى ثلاث، ولا لصاحب الثلاث رباع.
وأما قولهم: إن مثنى تقتضي اثنين، وثلاث ثلاثة، ورباع أربعة، فتحكٌّم بما لا يوافقهم أهل اللسان عليه، وجهالة منهم، وكذلك جهل الآخرين بأن مثنى تقتضي اثنين اثنين، وثلاث ثلاثة ثلاثة، ورباع أربعة أربعة، ولم يعلموا أن اثنين اثنين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً، حصر للعدد، ومثنى وثلاث ورباع بخلافها، ففي العدد المعدول عند العرب زيادة معنى ليست في الأصل، وذلك أنها إذا قالت: جاءت الخيل مثنى، إنما تعني بذلك اثنين اثنين، أي جاءت مزدوجة، قال الجوهري: وكذلك معدول العدد، وقال غيره: إذا قلت جاءني قوم مثنى أو ثلاث أو أحاد أو عشار، فإنما تريد أنهم جاءوك واحداً واحداً، أو اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو عشرة عشرة، وليس هذا المعنى في الأصل: لأنك إذا قلت: جاءني قوم ثلاثة ثلاثة، أو قوم عشرة عشرة، فقد حصرت عدة القوم بقولك ثلاثة وعشرة، فإذا قلت: جاءوني رباع وثناء فلم تحصر عدتهم، وإنما تريد أنهم جاءوك أربعة أربعة أو اثنين اثنين، وسواء كثر عددهم أو قل في هذا الباب، فقصرهم كل صيغة على أقل ما تقتضيه بزعمه تحكم. انتهى، للمزيد من الفائدة راجع هاتين الفتوين: 1570، 76414.
والله أعلم.