الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في السفر بزوجتك إلى بلد آخر لا سيما مع رضاها، لأمور:
أولها: أن بقاء الزوجة في بلد يهدد فيها زوجها بالقتل، وتعامل فيها هي وزوجها بما فيه ضرر عليهما، لا شك أن هذا البقاء تنتفي معه المنفعة التي من أجلها رُوعي ذلك الشرط ابتداء، فإن الفقهاء نصوا على أن اشتراط عدم نقلها من بلدها داخل في: شَرْط مَا تَنْتَفِعُ بِهِ الْمَرْأَةُ، مِمَّا لَا يُنَافِي الْعَقْدَ - فإذا انقلب الوفاء بالشرط إلى ضرر، فلا عبرة به، ولا يطالب أحد بالبقاء في بلد تلحقه فيه مشقة لا سيما القتل.
ثانيا: أن اشتراط عدم السفر بالزوجة -وإن كان صحيحا-، إلا أن الوفاء به مستحب، وليس بلازم في قول جمهور أهل العلم.
قال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: وَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ -أَيْ بِالشَّرْطِ الصَّحِيحِ- بَلْ يُسَنُّ الْوَفَاءُ بِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَأُجْبِرَ الزَّوْجُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُجْبِرْهُ عُمَرُ، بَلْ قَالَ لَهَا شَرْطُهَا. اهــ.
وفي المنتقى لأبي الوليد الباجي: فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي تَشْتَرِطُ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهَا مِنْ بَلَدِهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا إنْ شَاءَ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْحُكْمِ، وَأَمَّا عَلَى الْوَفَاءِ لَهَا مَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ... وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقَدْ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَفِيَ لَهَا بِمَا شَرَطَ، وَأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلزَّوْجِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ. اهــ.
ثالثا: أن صحة الشرط يترتب عليه ثبوت الخيار للزوجة، فإن اختارت السفر مع زوجها، فقد أسقطت حقها، ولا حرج.
قال البهوتي: فَهَذَا النَّوْعُ صَحِيحٌ لَازِمٌ لِلزَّوْجَةِ بِمَعْنَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا بِعَدَمِهِ، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ: أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا، ثُمَّ أَرَادَ نَقْلَهَا، فَخَاصَمُوهُ إلَى عُمَرَ، فَقَالَ: لَهَا شَرْطُهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إذَنْ يُطَلِّقْنَنَا، فَقَالَ عُمَرُ: مُقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ ـ وَلِأَنَّهُ شَرَطَ لَهَا مَنْفَعَةَ مَقْصُودَةً لَا تَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ. اهــ
ولذا؛ فإنه لا حرج عليك، وعلى زوجتك في مفارقة تلك البلد، والسفر لبلد آخر تأمنان فيه على أنفسكما، وأولادكما.
والله أعلم.